شعار قسم مدونات

فقولا له قولاً لينا

ISLAMIC
اللين واللطف والتماس الأعذار منهجٌ أصيل في الشريعة الإسلامية، وتُعد هذه الصفات أكثر طلباً والتزاماً بتحقيقها وتطبيقها في حقل الدعاة والمربين والإعلاميين، وكل من كان همه الإصلاح والتغيير. 
منذ سنواتٍ وأنا أحاولُ فهمَ الأسباب، وتفكيك المؤثرات التي جعلت أفراداً ممن تربوا في محاضنِ حِلَقِ القرآن والتربية الإسلامية يتحولون إلى مناهضين للفكر الإسلامي، وربما يتم تصنيفهم ضمن التيار الليبرالي، مع أن الكثير منهم في حقيقته متديناً بالفطرة، بل وحتى في جوهر وحقيقة علاقتهم بالله لازالت هي التي تربوا عليها منذ نعومة أظفارهم. 

التيار الإسلامي يرتكب خطأً فادحاً عندما يشن هجومه الكاسح، بمجرد أن يشتمَ رائحة المخالفة، ومع تكرار الهجوم والضرب على رأس المخالِف، يتحوّل إلى الصف المقابل على الأقل إعلامياً، إذا لم تضعفْ نفسُه ويخور إيمانُه، فيتحول إلى عدو حقيقي إيماناً وفكراً.

معضلةُ تنصيبِ فئة من الناس أنفسهم على أنهم حماة للعقيدة، وحرّاس للفضيلة، وأن الحقَّ ما رأوه، والباطل َ ما حددوه ووضحوه، وعدم قبول وجهة نظر الطرف الآخر، تتكرر في كل زمان ومكان، والأكثر سوء عندما تتحول تلك الفئة إلى المناكفة بناء على خلافات شخصية مع من يخالفهم الرأي. تلك الفئةُ المتحولة يمرّون في مرحلة إثبات وجود، والحقُ في بقائهم على المنهج أو الانحراف عنه يقع على عاتق تلك الفئة التي نعنيها في مقالنا هذا.

إما أن يتعاملوا بحكمة وروية مع تلك الأخطاء التي صدرت عن فئة المتحولين، ويعالجوها بالإيضاح والشرح والبيان والحجة والدليل والمنطق، وإما أن يهاجموهم بشراسةٍ وضراوة، مما يُحدثُ ردة فعل لدى فئة المتحولين، والأشدُ فتكاً هو أن يسلّطوا عليهم الملتزمين حديثاً، والذي يمثّل الإيمان بالنسبة لهم عاطفةً جياشة بلا ضوابط ولا انضباط، فيأتون عليهم بخيلهم ورجلِهم مهرولين (مدرعمين) متحفزين بأقوال من تأثروا بهم بأنهم على ثغرٍ من ثغور الإسلام، وأن منزلةَ وثوابَ عملهم لا يقلُ عن أجر المجاهد في سبيل الله.

مع العلم أن أولئك المهرولين ومع حداثة سنهم، وجديدِ التزامهم، لا يميّزون الخيطَ من المخيْط، ولا الأصولَ من الفروع، ولا الثمرةَ من البذور. كلُ ما يهمهم ليس التقويم والتصويب والإصلاح، وإنما إسقاط ذلك الفاسق -على حد وصفهم- الذي صوبوا سهامَ ألسِنَتِهِم وكتاباتِهِم عليه، ولن يهدأَ لهم بال، ولا تَقِرَّ لهم عين، حتى يتم اغتيال المستهدَف وإسقاطه اجتماعياً، وينقّبون في إرشيفه عن كل زلة، وفي كلامه عن كل هفوة، وربما يصل الحال ببعضهم إلى إعادة مونتاج بعض المقاطع والصور لإيقاع الخصم والقضاء عليه. 

يتمثّلونَ أنفسَهم وهم يشنون حربهم الضَّروس على الضحية، وكأنهم يطلقون سهاماً مسمومة على أبي جهلٍ، وأميةَ بن خلف والوليدِ بن المغيرة، ويرون في أنفسِهم خالداً والقعقاعَ والمغيرة – رضي الله عنهم -، وما علموا أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ومن أساسيات الإخوة الإسلامية إحسان الظن بالآخرين، وعدم التجسس والتحسس عليهم، والنصح لهم، والتلطف في المعاملة معهم وإرشادهم. 

التيار الإسلامي يرتكب خطأً فادحاً عندما يشن هجومه الكاسح بمجرد أن يشتمَ رائحة المخالفة، ومع تكرار الهجوم والضرب على رأس المخالِف، يتحوّل إلى الصف المقابل على الأقل إعلامياً، إذا لم تضعفْ نفسُه ويخور إيمانُه، فيتحول إلى عدو حقيقي إيماناً وفكراً، وحينها يكشّر عن أنيابه، ويستل خنجره ليطعن به بلا هوادة ولا تعقل، إذا أصبح الأمر بالنسبة له صراع من أجل البقاء، ومنافسة من أجل الظهور. وفي نفس الوقت يهيئ له المتربصون سبل النجاح والترقي، ويسخرون أدواتهم الإعلامية لخدمته وإظهاره وإبرازه، ويصنعون منه نجماً في غضون سنوات معدودات. 

أيّها الفضلاء، اقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، أنزلوا الناسَ منازلهم، واحفظوا لهم حقوقهم، ولا تُفسدوا عليهم إيمانهم وصلاحهم، عاملوهم باللين، انصحوهم وأرشدوهم ووجهوهم، واصرفوا عنهم الغالين الجاهلين من الحمقى والمغفلين. واعلموا أن واجبكم الإرشاد والتوجيه، وليس الهداية وامتحان الناس وتزكيتهم أو تجهيلهم وتسفيههم، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم هي الدليل والشاهد والبرهان، إذ كان آية في اللطف واللين والسماحة وحب الخير للآخرين.

بل أنه عليه الصلاة والسلام كان لين الجانب حتى مع من أعلمه الله بنفاقهم وشرهم وبغضهم له ولأصحابه، فاستغفر لهم، ولو علم بأن الله سيغفر لهم، لأكثر منه وما مل ولا كل. ابتعدوا عن ثقافة التجهم في وجوه الناس، أو الابتسامة في وجوههم بأسلوب مزيّف مفضوح، واجعلوا قلوبكم صافية نقية تجاه كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.