شعار قسم مدونات

عن كساد العنصرية

blog-باسيل

يمكن لأي إنسان أن يُشيطن من يكرههم بطرق مباشرة ومتلوّية، فهو يستطيع تضخيم أي غلط يقعون به مهما كان صغيرا، ويستسيغ تسخيف منجزات كبيرة لهؤلاء يعجز الأعداء عن نكرانها أو شطبها. ومن المرجح أن المنبوذ لأسباب إثنية أو دينية أو حتى اجتماعية، هو شخص ذو لهجة "دبجة" و"مظهر مقزز"، بل يعتبر مصدرا للأمراض التنفسية والجلدية والباطنية، بنظر الكارهين له.
 

حتى وإن مارس النظافة وعقمّ يديه أثناء طهو الطعام فهو مليء بالمكروبات والجراثيم! يراها العنصريون بأعينهم الفريدة من نوعها، وهنا تُختصر ظاهرة "العنصرية الصريحة" التي لا خجل فيها، ظنا من واضع التعريف أن بعض العنصريين يخجلون! وعلى سبيل التناقض القائل "عيني فيه وتفو عليه"، يرغب عنصريون أن يصيروا مواطنين في بلد ذاك المسكين المضطهد، وقد تجدهم يعلنون محبتهم لأرضه وقضيته ويلعنون وجوده بينهم ليل نهار ويلفظونه من أجنداتهم الخاصة والعامة.
 

يحدث أن يعرض الجناة كميات ضخمة من بضائع الكره والتمييز السلبي تفوق الطلب بأضعاف، في محاولة لإرغام الهاربين من الحرب على شراء الأحقاد الفاسدة أو الاستسلام.

أسوأ ما في الأمر أن يأتي هذا الظلم كلّه ممن تعرضوا لمظالم في مواعيد خلت.. ومع استفحال الأزمة تصبح العنصرية سلاحا للحفاظ على ما يعتبره البعض "كينونة ووجودا"، بغضّ النظر عن وجود الآخرين. لا بأس بأن تتحول العنصرية إلى هواية ممتعة!، فكثيرا من الأحيان لا يعلم العنصري نفسه لأي جماعة يتبع وعمّن يدافع ومن هم أعداؤه، وهنا لذّة لا يمكنه مقاومتها تشبه مشاهدة فيلم كوميدي مع قليل من "البوشار" وكثير من الضحك.
 

العنصريون طبيعيون جدا!، نعم فهم يخطئون في معرفة عدوهم -أحياناً- عندما تختلط عليهم اللهجات داخل مركبات النقل العام وفي طوابير الانتظار على أبواب السفارات، ومؤدبون أيضاّ، كيف لا؟ فهم يعتذرون لمن أخطؤوا بحقه بعد التحقق من عدم صحة فرضيتهم العنصرية تجاهه! لكنهم قليلوا أدب في الحضارات، وقليلو إحساس باللهجات عادةً.
 

التفنن بالعنصرية أعلى درجات ممارستها، فهي بشقيها الخجول والصريح! تلعن "العناصر الغريبة" موضوع الدراسة، وتتدرج بدءا بالنظرة لـمن هم "دون"!، يليها نطق العنصري بكلمات الجنسيات الأصيلة "سوري ههه" أو "شقفة فلسطيني"! وفق معانٍ منمّقة بالشتيمة.. مرورا بالجمل المفيدة المركّبة: " السوريين عملوا، السوريين ساووا! يضاف إلى ذلك أغنية "الحلم العنصري" لأحد مؤلفيها الجيدين جدا، ويقول في مطلعها: "دا حلمنا طول عمرنا تحلّو عننا" مع مراعاة ضرورة ربطها بالجمل المفيدة لأصحابها.
 

وأخيرا وليس آخرا، مخاطبة الأمم المتحدة بمنطق عنصري يطرح حلولا سحرية لقضايا عجزت مئات الدول مجتمعة عن حلّها بطرق أكثر ذكاءً.. حيث قرر أحد الرجال الواقفين في أعلى درجات السلّم الموسيقي، أن يساوي بين المرأة في بلده وجميع رجال الأرض باستثناء السوريين والفلسطينيين منهم. ويرى المخلوق الذي تشكّل مصادفةً على هيئة "وزير خارجية" أحقية أنثاه بمنح أبنائها جنسية أبيهم، شرط ألا يكون الأخير لاجئا آنياً من أقرب بقاع الجغرافيا والهوية لبلد الأنثى.
 

المشهد الذي لا ضرورة لذكر مكانه، يبدو كما الكساد الاقتصادي الناجم عن جشع التجار وساديّتهم في أحد الأسواق. فيحدث أن يعرض الجناة كميات ضخمة من بضائع الكره والتمييز السلبي تفوق الطلب بأضعاف، في محاولة لإرغام الهاربين من الحرب على شراء الأحقاد الفاسدة أو الاستسلام.
 

الهاربون في حقيقة الأمر يبحثون عن قلوب دافئة تمنحهم عروضا للحبّ والاندماج، ويأملون أن يتفوق تضخم الروابط على كساد العنصرية يوما ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.