شعار قسم مدونات

"رضا السعودية" أم "سخط إسرائيل" السيسي يجيب

Smoke rises after a house is blown up during a military operation by Egyptian security forces in the Egyptian city of Rafah, near the border with southern Gaza Strip October 29, 2014. At least 33 Egyptian security personnel were killed on Friday in the Sinai Peninsula bordering Israel and Gaza, in an attack on a checkpoint that bore the marks of assaults claimed by Egypt's most active militant group Ansar Bayt al-Maqdis. Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi said on Saturday the military would respond with measures in the border area where a buffer zone is likely to be expanded to pursue militants and destroy tunnels used to smuggle weapons and fighters. REUTERS/Suhaib Salem (GAZA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY)

"السياسة لا تفسد للاقتصاد ودا" لكن على ما يبدو بأن السياسة تفسد ودا لكل شيء، الاقتصاد، والدين، والأخلاق، والاتفاقيات، والمعاهدات وغيره وغيره، وأكبر برهان على ذلك هو العلاقات السعودية المصرية التي شابها كثيرا من الخلافات مؤخرا رغم عشرات المليارات التي كللتها!
 

كثيرا ما تحتاج السياسة المصرية الخارجية إلى "معجم" رفيع المستوى لفك طلاسم توجهاتها الضبابية وتحليل مواقفها الغريبة والمتناقضة، وعلة ذلك بالتأكيد، هو افتقاد قيادتها إلى كثير من النضج السياسي الذي يؤهلها لقيادة بلد عظيم كمصر..

صرح النظام المصري علنا بأن كل ما فعله من قتل وتهجير وتدمير لمنازل ومزارع آلاف المصريين داخل سيناء كان استجابة لضرورات أمنية إسرائيلية!

إلا أن الحق يقال، بأن الموقف المصري تجاه الملف السوري "تحديدا " كان واضح وثابت مذ أول يوم تولى فيه "السيسي" مقاليد الحكم حتى يومنا هذا ولم يطرأ عليه أي تغيير أو تراجع! فقد صرح السيسي قبل عام تقريبا على محطة CNN مع المذيع "رولف بليتز" بشكل واضح حاسم لا يحمل التأويل أو الشك، بأن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى انهيار جيشه ووقوع عتاده العسكري في أيدي الجماعات الإرهابية، الأمر الذي يعد كارثة لدول الجوار مثل لبنان والأردن وإسرائيل.
 

إذن فقد كان الموقف المصري واضحا "وضوح الشمس في كبد السماء" بما يخص الملف السوري، ألا وهو دعم نظام الأسد ومساندته، ومن غير داع إلى التنقيب العميق عن أسباب هذا الموقف ولا جهد مضني للبحث عن دوافعه! فقد صرح "السيسي" علانية بأن أمن إسرائيل واستقرارها هو السبب الرئيسي -إن لم يكن الأوحد- وراء دعمه ووقوفه إلى جانب النظام السوري، وقد صدق السيسي أخيرا في وقت قلما يصدق فيه!
 

لم يكن هذا التصريح المباشر هو أول تصريحات "السيسي" بما يخص أمن إسرائيل، فقد سبقه تصريحات سيساوي أخرى، منها ما بثته "فرانس 24" قبل سنتين تقريبا، حين أجاب على سؤال وجه له عن "مدى التقارب المصري الإسرائيلي؟ وحجم القلق الذي تشكله حركة حماس على أمن إسرائيل واستقرارها؟" فأجاب " السيسي" بما يفيد بأن الإجراءات التي اتبعها النظام في سيناء -وهي تدمير مئات المنازل وتهجير آلاف المواطنين- ما هي إلا حماية لأمن إسرائيل من أي هجمات محتملة قد تتعرض لها من قبل حركة حماس.
 

وبالعودة إلى الخلاف السعودي المصري على الملف السوري، المتمثل في محاولة السعودية استقطاب الموقف المصري صفا إلى صف مع الموقف السعودي والخليجي عموما من خلال المليارات والمساعدات العينية الضخمة، وتمسك مصر "على غير العادة" بموقفها المؤيد والدعم لنظام الأسد لا لشيء سوى لخدمة الأمن الإسرائيلي، يؤكد بما لا يدع للشك بأن "السيسي" لم ولن يشتري رضا السعودية وغير السعودية، بسخط إسرائيل ومن خلفها روسيا وأمريكا وأوروبا..
 

الأمر الذي يفسر آخر إرهاصات النظام المصري "وما أكثرها"، ألا وهو التصويت لصالح الاقتراح الروسي في الأمم المتحدة، الأمر الذي حار في تفسيره كثيرا من المحللين السياسيين، لا سيما، وقد جلب لمصر ويلات اقتصادية وسياسية كانت في غنى عنها! وتسبب بتفاقم الأزمة واتساع هوة الخلاف بين مصر والسعودية! ولكن، إذا عرف السبب بطل العجب! والسبب هو "لا صالح يعلو على صالح إسرائيل" ولا "مقايضة على العلاقات المصرية الإسرائيلية".
 

لا يعد الموقف المصري في الأمم المتحدة والذي فسره الكثير على أنه سقطه من سقطات النظام بالأمر المستهجن، إذا ما قورن بما فعله "السيسي" سابقا لحماية دولة إسرائيل، هذه الدولة المحاذية لمصر جغرافيا والمرتبطة معها بعلاقات سياسية دافئة ومعاهدات أمنية واضحة.

من غير الممكن الفصل بين سياسات "السيسي" وبين الرغبة الإسرائيلية! وإن كان الثمن هو الخلاف المصري السعودي أو الخلاف المصري العربي برمته!

فعندما يصرح النظام علنا بأن كل ما فعله من قتل وتهجير وتدمير لمنازل ومزارع آلاف المصريين داخل سيناء كان استجابة لضرورات أمنية إسرائيلية! وعندما تطال سياسته القهرية الشعب الفلسطيني المستضعف في قطاع غزة، والتفنن في تعذيبه من خلال إحكام حصار خانق عليهم لصالح إسرائيل في 2014! وتغوير الأنفاق التي تعد "شريان الحياة" لهم بالمياه! لا لشيء سوى استرضاء إسرائيل كما صرح به "يوفال شتاينتس" وزير البنى التحتية والطاقة الإسرائيلي، فليس من مستبعد إذن أن تضحي مصر بالسعودية في ليلة وضحاها من أجل العيون الإسرائيلية وأخواتها الأمريكية والروسية والأوروبية.

 

"لن يكون هناك استقرارا في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرارا في سوريا" هذا ما صرح به رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد لصحيفة نيويورك تايمز منذ بدايات الثورة، وهو ما ينسجم تماما مع تصريحات "السيسي" وسياسته القمعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والشعب المصري في رفح، التي فاقت في تعسفها تلك التي اتبعها من سبقه على رئاسة مصر..

وبالتالي من غير الممكن الفصل بين سياسات "السيسي" وبين الرغبة الإسرائيلية! وإن كان الثمن هو الخلاف المصري السعودي أو الخلاف المصري العربي برمته! مما يثبت بأن الموقف المصري لم يكن يوما موقفا حرا مستقلا! إنما يميل على هوى إسرائيل ورياحها، ولذا خفت موازين المليارات السعودية أمام ثقل الولاء لإسرائيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.