شعار قسم مدونات

الدعاء وتناقضه مع العدل الإلهي

A muslim woman prays near the Hira cave at the Mount Al-Noor ahead of Hajj at the Holy City Of Mecca, Saudi Arabia 07 September 2016. Muslims believe Prophet Muhammad received the first words of the Koran at the top of Mount Al-Noor but the visit of the cave is not part of Hajj. The Haj pilgrimage 2016 takes place in Mecca from 09 to 14 September.

منذ فترة ليست بالبعيدة، قرأت مقالًا بعنوان "الله الذي لا ينصرنا".. كان يحكي قصة شاب، وقف بميدان رابعة العدوية ممسكًا بحجر في مواجهة مدرعة هاتفًا "يا رب النصر من عندك بقى يا رب"، ظنًا منه بأن حجره متسلحًا بدعائه سوف يتحول إلى "RBJ" يفتك بمن أمامه. وأخذ الكاتب يسترسل في هذه القضية ويثير بعض القضايا الفلسفية والدينية، التي بدورها استوقفتني كثيرًا محاولًا فك بعض من هذه التناقضات.
 

مشكلتي مع الدعاء تكمن في عدم فهمي لدوره الحقيقي في عملية النجاح، هل هو بركة مثلًا أتبرك بها وأنا أعمل؟ أم أن الدعاء به طاقة غير مرئية تساعدني على الإنجاز؟ فرضًا لو اجتمع مسلم وغير مسلم في عمل ما، وبذل الطرفان نفس الجهد العقلي والبدني، هل يحقق المسلم نجاح أكبر لمجرد أنه دعا ربه بالتوفيق والنجاح ولم يفعل الأخر مثله؟ بالطبع لا! هذا خرق واضح للسنن الكونية المادية وتعارض بيّن لقوانين الله في الأرض. إذًا.. فما فائدة الدعاء؟ ولما ندعوا وهو بالحسابات المادية خارج المعادلة، الأكثر نجاحًا، هو الأكثر بذلًا، وليس الأكثر إيمانًا؟!
 

الدعاء: هي لغة للتواصل يقصد بها "يا الله، نحن نعلم أنك مسير الأمر، بيدك كل شيء، أنت المعطى والمانع، أنت مسبب الأسباب، يا رب، نحن نأخذ بالأسباب لأنك أمرتنا بذلك.

ظل هذا التساؤل يشغلني لشهور، حتى منّ الله علىّ بفهمه، ولكن قبل أن أنقل ما فهمت، وجب أن أبين نقطة في غاية الأهمية، هي محور الإيمان ومفصله، بدونها يتوه المؤمن في سراب الفلسفة، وتتقاذفه أمواج التساؤلات بغير برِ يستند عليه.
 

أنت مؤمن لأنك مقتنع بكليات هذا الدين، مؤمن بفكر الإسلام، ومفهوم الإيمان، مقتنع بوجود الله، وأنه الحكيم المسير لكافة الأمور، وكل شيء عنده بمقدار.. مؤمن بأن محمد نبي الله ورسوله، وأن الإسلام هي الرسالة الإلهية الصحيحة.. ما دون ذلك، فهي تفاصيل، إن أدركت حكمتها، فمن الله، وإن لم تدرك، فهذا لا يبطل إسلامك، ولن ينتقص منه شيء، ففهم الحكمة نعمة، لا تمنح للجميع، إن وجدت تناقض ما في فهمك لمسألة معينة، فهذا لا يعني نقض الإسلام ككل، لأن الفرعيات لا يمكن أن تبطل الكليات، عدم فهمك للحكمة لا يقتضي عدم وجودها، بل هي موجودة ولكن لم يمن الله عليك بها، وطالما أنت مؤمن ومقتنع بصحة الكليات، فلا تنشغل بها واستكمل حياتك موقنًا بأنك لم تمنح حكمتها بعد.

نعود لمعضلة الدعاء
الدعاء عبادة قلبية، تواصل بين الرجل الضعيف ذو الهموم والمخاوف، مع القدرة المطلقة، مسير الأمر، الحكيم العليم.. هي لغة للتواصل يقصد بها "يا الله، نحن نعلم أنك مسير الأمر، بيدك كل شيء، أنت المعطى والمانع، أنت مسبب الأسباب، يا رب، نحن نأخذ بالأسباب لأنك أمرتنا بذلك. نعلم أنك مسبب الأسباب ولا تعمل الأسباب إلا بأمرك، أعلم أنني إن لم أدعُك ستجعلها تعمل، لأن هذه سنةُ الكون التي وضعتها، و نعلمك ربنا أننا لم ننسى أنك مسبب الأسباب، ونحن نعبدك أنت لا نعبد الأسباب".
 

الدعاء بهذا المفهوم عبادةُ قلبية، واستسلام وخضوع، أنت تعمل وتبذل قصارى جهدك، ولا تنظر للنتائج، أنت فوضت القدير في تسيير أمورك، فنتيجة العمل خير، مهما كانت، فالمنظور البشرى خاطئ وقصير المدى.

نعود للفرضية السابقة، فالإجابة لا، لا ينجح المؤمن لمجرد أنه دعا، فهذا استخفاف بالله وبسنته، بل ينجح لأنه بذل الجهد المطلوب.. ولا يفشل الكافر لمجرد أنه كافر، بل يفشل لأنه لم يبذل من المجهود ما يستدعي نجاحه. فدعاؤك هو رسالة، تقول فيها بأنك لا تعبد الأسباب، أنت تعبد مسبب الأسباب. عكس غير المؤمن، هو يأخذ بالأسباب لأنه يعبد الأسباب، ولا يرى من وراءها. الإسلام يجعلك تربط جل حياتك بالله، الإسلام هو المعادلة بين المادية والروحانية، معادلة لا مجهول فيها.. الإسلام هو الاتزان.
 

فيا صديقي.. حجرك هذا لن يقف بوجه مدرعة، ليس لأن دعاءك باطل، بل لأنك تريد خرق السنن الكونية. وأبشر، لم تنتهي اللعبة حتمًا.. مازال هنالك مرحلة أخيرة.. يجتمع فيها الخصوم. حينها، سيظهر دعاؤك ليكون شاهدًا على ذلك الموقف، ليقتص عند ربك ممن أودى بك لذلك المصير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.