شعار قسم مدونات

لا يستقدمون ساعةً ولا يستأخرون!

blogs - funeral

كم من مرّة أَيقنت أنك ستموت لا محالة! و قد تموتُ قريبأ أيضاً! لا تنكر أنك تحفظها كـ"حقيقة".. علّنا في واقع الأمرِ نعرف حقيقة الموتِ في أنفسنا.. لكننا لا نستشعرها في قلوبنا! حتى إذا ما أدركتنا انقلبنا على أعقابنا نادمين.. فكم من مرةٍ وقَفت بين يدي الله وقفةً ترضيه عنك ولم تتثاقل كأنَّ على كاهليك حملٌ عظيم.. مبطّناً عقلك بيقينٍ وامتنانٍ لربٍّ أكرمك موقناً أنَّ نزولك لسجودك قد يكون أول طريقك إلى حفرةٍ عرضها مترٌ بمترين؟

عندما صرختَ في وجه أمك صباحَ اليوم لأنها لحقتك بكيس القمامة القابعة في طريقك للعمل.. هل استشعرت حينها حقيقة الموت؟ أم أنك لم تتوقع مكالمةً تخبركَ أنها في وحدة العناية الحثيثة؟ عندما ضايقتَ صديقك قبيلَ شهرٍ بكلمةٍ لم تلقي لها بالاً أمام حشدٍ كبير من الأصدقاء الآخرين.. فمكث في غرفته حتى يومنا كلّما وضع رأسه على وسادته خنقته العبرة وضاق صدره بالشّرخ الذي أحدثته فيه.. هل استشعرت حينها حقيقة الموت؟ أم أنك لم تتوقع أن تموتَ حاملاً ذنبَ ما خلّفته.. أو أن يموتَ هو قابضاً في صدره على ضيقةٍ منكَ أنت! لكنه للأسف رحل وفات الأوان على الأسف وقبُلاتِ التّسامُحِ و الاعتذار!

خيرٌ للمؤمن أن يكون على أُهبة الاستعداد! وخيرٌ للعاصي أنَّ يُعِدَّ هو أيضاً العتاد! فالموتٌ حقٌ يُقبلُ بلا ميعاد!

عندما ودَّعتَ أهلك مقبلاً على بلدٍ غربيٍّ للعمل أو أياً يكن.. هل ضممتهم بصدقٍ فتعانقت قلوبكم وبها فيضٌ من الدَّمع؟ هل شددتَ على عظامهم وتوغّلت في تفاصيلهم تشمُّ رائحتهم وتحفَظُها؟ أم أنك سلمتَ و السّلام؟ على الأغلبِ فعلت الثانية! لأننا و للأسف يا صاحبي ما زلنا لا نستشعر حقيقة الموت!

لم يعلم ابنُ العشرين وهو خارجٌ لجامعته أنه سيلفظ أنفاسه الأخيرةَ على قارعة الطريق! ولم تعلم أمه التي ودعته قائلةً: "حطّيتلك اللفّة "السندويشة" في الجيبة اللي عالجنب يمّا".. أن مكانَ اللفّة هو آخر ملافظها التي ستمرُّ على مسامع فلذتها في ذلك اليومِ و تلك الساعة! مُودِعةً الأسى بين جنباتها بينما تعتصر روحها على أقلامه وكرّاسته التي بلّلها رحيقُ فؤاده للتَو!..

ولم يعلم ذلك الطفل الصغير أنَّ آخر عهده بلعبته المفضلة على بُعد أميالٍ منه حين همَّ بقطعِ الشارع! حينَ سلبَ الشارع أبيهِ أغلى ما يملك وفضَّل حينها لو يهلك! ولم يعلم ذلك الجسد الراقد في الثلاجة عند درجة حرارة منخفضة جدا كي لا يفسَد أنَّه سبيتُ فيها تلكَ الليلة! ولم يسبق له أن استشعرَ أنَّ روحه عادت إلى بارئها إلاَّ عندما فعلَت بالفعل!

لا يعلمُ العاصي متى يجيء دوره! و إلا لأعلن توبته قبيلَ ساعته بساعات! وكم من عاصٍ لم يفعل! فمات ملطَّخاً بقبيحِ عملِهِ وأدركته المنيّة؛ فَشَخِصَ أمامَ الله وثبتَ عليهِ جُرمه! ولا يعلم المؤمنُ متى تشير إليهِ العقارب السوداء فيأتيهِ أجلُه المحتوم! ولكن خيرٌ للمؤمن أن يكون على أُهبة الاستعداد! وخيرٌ للعاصي أنَّ يُعِدَّ هو أيضاً العتاد! فالموتٌ حقٌ يُقبلُ بلا ميعاد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.