شعار قسم مدونات

الكتابة حق لمن؟

الكتابه
ليست الكتابة حكرا على أصحاب الأعمدة الصحفية، وليست ملكا لمن يرغبون في الشهرة والصيت. إن الكتابة حق لكل من يمتلك ورقة وقلما، كل من ضاقت به نفسه فراح يشكو للورق همه، ويأتي بما تنوء به جوانحه. ربما يرتجل مقالا أو بيت شعر تستشعر فيها صدقا غير مسبوق.

نتعرض في حياتنا لضغوط نفسية ومشاكل وحيرة وشك وفرح وحزن. كثير من المشاعر المتضاربة تزدحم بها ذواتنا. منا من يفضل الكتمان والمكوث أمام مشاعره بلا حراك، ومنا من يرى في الإفضاء بعض السكون النفسي، وبعض المشاركة الوجدانية من قريب أو عزيز عليه. 

لقد أغفلنا حق الورق علينا. لا أظن أنك ستجد صديقا أشد كتمانا من ورقة بيضاء، يشي بياضها ونعومة طبقاتها بصدق سريرتها ونقائها. تلك الحالة أظنها حالة من الارتقاء النفسي لإخراج كل ما هو سلبي، فتراه ينطبع على الأوراق إيجابيا هادفا.لابد من أن كلماتنا تلك التي تدور بأذهاننا بعضها من الذهب أو من معدن نفيس. وكما هو الحال في رواية شيكاجو، فإن الشهرة ليست مقياسا لنجاح الأديب. هناك أدباء مشهورون بلا قيمة، وأدباء عظام لا يعرفهم الناس. إنني أكتب لأن لدي ما يجب أن أقوله، وما يهمني ليس الشهرة،  وإنما التقدير، أن يصل ما أكتب إلى عدد من الناس حتى لو كان قليلا ليغير أفكارهم وأحاسيسهم. 
 
فبقدر حاجتنا إلى الكتابة كوسيلة تعبير وإفضاء، تكون حاجتنا إلى جرعات أدبية ومعرفية تستحق إفناء ساعات القراءة والتدقيق.

أقسم أنك أرجح عقلا وأصوب قلما ممن كتب مقالات عبثية عن تفاهات حصد بها آلاف مرات النشر والإعجاب. وهذه مشكلة العوام أيضا ممن يشهرون الحمقى، فأمام كل أحمق يشتهر ويتصدر الشاشات، آلاف من المواهب تدفن وتندثر. تظنها أزمة ثقافة، أو أن العقل الجمعي بحاجة إلى مزيد من الارتقاء والتنزه. صحيح، فأنا أعلم الكثير من أصحاب المواهب الكتابية همشوا الكتابة بعد أن فقدوا حلم الشهرة والوصول. 

أظن أيضا أن تلك المشكلة قد خلفت بين جمهور القراء المثقفين أزمة ثقة، فعباس العقاد، الذي كان يفتخر بأنه كان يقرأ كل كتاب يقع بين يديه، أظن أنه لو ظل حياً بيننا الآن لما كان فخورا بتلك النقطة على الإطلاق. صرت لا أثق في أي كتاب أقبل على قراءته. لابد من التحريات بدءاً بحصد الآراء من أصدقائي، الذين تروقني أذواقهم في القراءة، مرورا بنبذة عن الكاتب، وتفصيل للمقدمة وما تحتويه، وانتهاء بالقراءة باحتراس للكلمات، حتى يطمئن القلب بما تحوي السطور. 

فبقدر حاجتنا إلى الكتابة كوسيلة تعبير وإفضاء، تكون حاجتنا إلى جرعات أدبية ومعرفية تستحق إفناء ساعات القراءة والتدقيق. نفتقد كتابا كمصطفى محمود ومحمد الغزالي ورضوى عاشور وبنت الشاطئ وغسان كنفاني وأنيس منصور، كتابا يؤمنون بحرارة الكلمات، ووقعها على النفوس، وبصمتها في العقول.

لذلك أتمنى أن نحسن الذوق العام، وأن نرتقي قدر الإمكان، وأن أرى بين دور النشر ومجتمع الناشرين من يقدم يد العون لجمهور الكتاب الناشئين المبدعين، فمن المحزن أن يصبح الأمر تجاريا بحتا . فإذا وضعنا معايير سمو الهدف وصدق المحتوى في المنشورات، سنقدم لجمهور القراء قيما فنية تضيف إلى عقولهم الكثير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.