شعار قسم مدونات

لماذا النظام الرئاسي؟

blogs - turkey

تعيش تركيا هذه الأيام أجواءً سياسية ساخنة في ظل استمرار عملية الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي من خلال تعديل الدستور. وتشير المؤشرات إلى أن مشروع التعديل الدستوري الذي يدعمه حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المعارض سيمر من البرلمان ويعرض قريبا للاستفتاء الشعبي.

 

الرأي العام التركي، بالتوازي مع تصويت البرلمان على مواد مشروع التعديل، يناقش إيجابيات الانتقال إلى النظام الرئاسي وسلبياته. وسأحوال في هذه التدوينة – كأحد المؤيدين لهذا المشروع – أن أسلط الضوء على أهم الأسباب التي دفعت الحزبين إلى خطوة من هذا النوع، وما الذي سيتغير بالضبط في الحياة السياسية التركية بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي المقترح.

 

أولا؛ النظام البرلماني المعمول به حاليا في تركيا قد يؤدي إلى صراع بين رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب والحكومة المنتخبة من قبل الشعب أيضا. وليس هناك ما يضمن استمرارية التناغم التام الذي يخيم على العلاقات بين رأسي السلطة. وستزول هذه الإشكالية بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، لأن السلطة التنفيذية لن يكون لها رأسان، بل سيكون لها رأس واحد، وهو رئيس الجمهورية المنتخب الذي سيشكل الحكومة من خارج البرلمان. ولن تكون في النظام الجديد مؤسسة اسمها رئاسة الوزراء.

 

رئيس الوزراء في النظام الحالي يمكن أن يبقى في منصبه لسنين طويلة، ما نجح حزبه في الحصول على نسبة في الانتخابات البرلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة وحده. وليس هناك ما يحدد لتوليه ذاك المنصب بفترة أو فترتين. أما النظام الجديد فيحدد تولي الشخص منصب رئيس الجمهورية لفترتين كحد أقصى. 

 

النظام الرئاسي الذي سبق أن دعا إليه قبل أردوغان زعماء سياسيون أتراك سيعزز – بإذن الله – الإرادة الشعبية، وسيسد الثغرات التي تتسل من خلالها قوى غير ديمقراطية من خارج المعترك السياسي لتتدخل في شؤون الحكومة وتثير الأزمات

تركيا عانت كثيرا من الحكومات الائتلافية الهزيلة. وعلى الرغم من الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ منتصف نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٠٢، قد يعود شبح الحكومة الائتلافية في أي انتخابات برلمانية، كما عاد لفترة وجيزة بعد الانتخابات التي أجريت في ٧ يونيو / حزيران ٢٠١٥ ولم يتمكن فيها أي من الأحزاب السياسية من الحصول على أغلبية كافية لتشكيل الحكومة وحده. وبعد الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي يشكل فيه الحكومةَ الرئيسُ المنتخبُ ستطوى صفحة الحكومات الائتلافية نهائيا ولن تفتح مرة أخرى. 

 

تشكيل الحكومة في النظام الحالي، يحتاج إلى وقت طويل إن لم يتمكن الحزب الفائز في الانتخابات من تشكيل الحكومة وحده. وقد تطول المباحثات بين الأحزاب لأسابيع، ثم تنتهي بالفشل، ولا يبقى للخروج من الأزمة خيار غير إجراء الانتخابات المبكرة، ولكن الأزمة قد لا تنتهي حتى بعد تلك الانتخابات. وتسقط الحكومة إن لم تنل ثقة البرلمان. وطوال كل هذه الفترة لا تحكم البلاد حكومة قوية. وأما النظام الرئاسي المقترح في مشروع التعديل الدستوري فلا مباحثات فيه ولا مفاوضات بين الأحزاب لتشكيل الحكومة، بل يشكل الرئيس المنتخب حكومته في أقرب وقت ممكن بعد إعلان النتائج، ولا تحتاج الحكومة إلى نيل ثقة البرلمان.

 

وفي النظام البرلماني المعمول به حاليا يتم تعيين الوزراء من بين النواب، ولا يُعَيَّنُ وزير من خارج البرلمان إلا في حالات نادرة، كتعيين أحمد داود أوغلو وزيرا للخارجية قبل أن ينتخب نائبا. وبالتالي، يكون أعضاء مجلس الوزراء في ذات الوقت أعضاء في البرلمان، الأمر الذي يؤدي إلى تداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وأما في النظام المقترح فسيتم تعيين الوزراء من خارج البرلمان. وإن تم تعيين أحد النواب وزيرا فستسقط عضويته في البرلمان. وبالتالي، سيكون هناك فصل تام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ولن يكون أحد عضوا في كلتا السلطتين في آن واحد.

 

النظام الحالي لا يسمح بمحاكمة رئيس الجمهورية إلا إذا اتهم بارتكاب جريمة الخيانة العظمى. ولكن النظام الرئاسي المقترح يكون رئيس الجمهورية خاضعا للمساءلة القانونية إذا اتهم بأي جريمة. ويمكن للأغلبية المطلقة في البرلمان أن تطالب بإجراء تحقيق في حق رئيس الجمهورية، ويتم الإقرار على فتح التحقيق في حقه بأصوات ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان، ويكون التصويت سريا.

ويحال الرئيس للمحاكمة في المحكمة الدستورية بموافقة ثلثي النواب في التصويت السري. وتنتهي مهامه إن أقرت المحكمة الدستورية على أنه ارتكب جريمة تخل بترشحه الرئاسي.

 

النظام الرئاسي يتم تطبيقه بنجاح في كثير من الدول الديمقراطية. والقول بأنه سيؤدي إلى الدكتاتورية لا أساس له. ومعظم هؤلاء الذين يعارضون النظام الرئاسي بهذه الحجة الواهية هم أنفسهم يتهمون الآن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بالدكتاتورية، على الرغم من أن النظام المعمول به حاليا هو النظام البرلماني، ما يعني أن تهمة "الدكتاتورية" لديهم جاهزة في جميع الأحوال إن لم يكن الرئيس منهم وعلى مقاسهم.

 

النظام الرئاسي الذي سبق أن دعا إليه قبل أردوغان زعماء سياسيون أتراك، مثل تورغوت أوزال، سيعزز – بإذن الله – الإرادة الشعبية، وسيسد الثغرات التي تتسل من خلالها قوى غير ديمقراطية من خارج المعترك السياسي لتتدخل في شؤون الحكومة وتثير الأزمات وتقرض الوصاية على خيار الشعب. وبالتالي، سيكون عاملا أساسيا في الحفاظ على استقرار البلاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.