شعار قسم مدونات

هل أصبح السيسي أمرا واقعا

blogs- السيسي

استطاع السيسي وفي فتره وجيزة صناعة واقع ثابت له لم يكن ليطمح إليه أكثر المتفائلين به يوم خرج على الرئيس المنتخب، فلقد توافرت الكثير من العناصر للرجل لتجعله مؤهلا للاستمرار لفترة ليست بالقليلة:
 

فعلى المستوى المحلي
يمتلك الرجل آلة إعلامية فريدة من نوعها تتغنى بعدله وقلبه الحنون ليل نهار ولا تكاد تسمع همس معارض، بل إن المقصر في ممارسة المعزوفة اليومية ينال نصيبه من توجيهات اليد الأمنية، فباتت سيئات الرجل تتحول إلى حسنات -وإن كانت القلوب تحمل غير ذلك- المهم ما تصدره الأفواه والرجل يتعامل مع الأمور على ظاهرها فلا يفتش عن بواطن قد لا تروقه.
 

ولديه طبقة من رجال الأعمال والمنتفعين يستفيد منها على مستويين رغبا ورهبا، فهم إما يساعدونه في التكفل ببعض المشاريع الصغيرة والتي يحصلون قيمتها عبر وسائل أخرى، وإما أنهم يمارسون دورهم في تركيع الشعب في شتى المجالات الاقتصادية كما يزيفون الحقائق للناس بشكل يومي ومستمر حتى أن أحدهم يكذب حاله ويصدق مقالهم.

مناورات الصداقة مع روسيا والتطابق في الرؤى بينه وبين إسرائيل وسطوع نجم ترمب مع تقدم الأسد في سوريا كل هذه المؤشرات تقوي شوكة الرجل "السيسي" وتعضض ملكه.

فالشعب المصري يميل للاستقرار ولا يناسبه فكره أن يقوم بالتغيير بنفسه بل يرى الزمن جزء من العلاج، فهناك مثلا يلخص الحالة المصرية يقول "اصبر على جارك السو، يا يرحل يا تيجي مصيبة تاخده" وهذا هو بيت القصيد فالرجل يتعامل مع الشعب ويعرف طبيعتهم البشرية.
 

فبالرغم من أنه يصعقهم ليل نهار بقراراته الاقتصادية إلا أنه لا يترك لهم مجالا للتنفيس عن غضب كسابقه مبارك بل يعالج الصعق بالصعق في أماكن أخرى مرة بتنويع قراره ومرة بممارسة عنف غير معتاد يجعل فكرة الاعتراض على الوضع الحالي لا تخطر ببال أحد ولو صار عيشه مرا، ويحاصر الشعب باختلاق قضايا خلافية تشغل الرأي العام في أمر دينهم أو دنياهم..

جماعة الإخوان اليوم المناوئ الوحيد للرجل باتت هي الأخرى مشغولة بذاتها واستطاع السيسي استنزاف قواها ووجه دفتها إلى دعم أسر الشهداء والأسرى وتمكن من تبديد قواها ماديا ومعنويا وبشريا، وباتت هي الأخرى يسري عليها تقريبا ما يسري على بقية الشعب من أن تخلي بين الرجل وبين شعبه عسي أن يغير الزمن شيئا أو أن يثور الناس، وهذا ظن يغلب عليه الخسران.

وهناك ثمة إجراء مستمر يقوم به السيسي بشكل دوري وهي بعض التعديلات وتغيير المواقع لبعض الأفراد، فيصبح هم كل فرد يعمل في مؤسسة حكومية ألا يطاله هذا التغيير بأي شكل.

وعلى المستوى الدولي
فرض السيسي نفسه داخل الخطة المستقبلية للمنطقة فلا مشروع مستقبلي إلا وهو مشارك فيه، وصحيح أن الأوضاع الدولية والتغيرات ساعدته كثيرا، لكنه أيضا تمكن من خلال قدرته علي الجمع بين المتناقضات بتحقيق توافق مصالح مع كل الأطراف، فكسب تأييدا دوليا قد يحميه لفترة ليست بالقليلة إذا ما حاول أي طرف إقليمي أن يستبدله بغيره. فمناورات الصداقة مع روسيا والتطابق في الرؤى بينه وبين إسرائيل وسطوع نجم ترمب مع تقدم الأسد في سوريا كل هذه المؤشرات تقوي شوكة الرجل وتعضض ملكه.

بناء على ما سبق، على الأطراف الفاعلة على الأرض أن ترى الأمور على حقيقتها وتفيق من سباتها وأوهامها تجاه الرجل، فواقع السيسي اليوم أقوى بعشرات بل مئات المرات منه في يونيو 2013، فقد أصبح أمر واقع على الراغبين في حفظ كيان هذا الوطن أن يتعاملوا معه بناء على هذه المعطيات وليتعاملوا بمزيد من الواقعية، وليعلموا أن المصالحة شر لابد منه ولا مفر وهذا ما سنعطيه مساحة أكبر المرة القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.