شعار قسم مدونات

بوادر حرب عالمية ثالثة

Armoured vehicles drive past paramilitary policemen during the military parade marking the 70th anniversary of the end of World War Two, in Beijing, China, in this September 3, 2015 file picture.China has almost doubled its weapons exports in the past five years, a military think tank said on Monday, as the world's third-largest weapons exporter pours capital into developing an advanced arms manufacturing industry. REUTERS/Damir Sagolj/Files

يبدو أن العالم متوتر جدا، متوتر إلى درجة الخشية من أن يوقظ اغتيال سفير أو وزير أو حاكم هنا أو هناك حربا عالمية أشبه بالحرب العالمية الأولى التي أشعل فتيلها قتل مواطن صربي لوريث العرش النمساوي آنذاك.

وحقيقة الأمر أن الحرب العالمية الأولى، وحتى الثانية، لم تكن لتنطلق لسبب "بسيط" كذاك، فقد توفر إلى جانب ذلك مناخ سياسي واقتصادي متشنج كان يحتاج فقط الريشة التي تقصم ظهر ما بقي من السلام حينها. والمتأمل للوضع العالمي الراهن لا تخطيء عينه تشابه الأمس باليوم من حيث المناخ المناسب لحرب عالمية ثالثة!، سواء تعلق المناخ بالاقتصاد أو بالسياسة أو بغيرهما.
 

الدولار الذي ظل مستحوذا على عرش التجارة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية يلاقي اليوم حربا شعواء أهم أسلحتها اتفاقات الدول لتبادل تجاري بالعملات الوطنية بدل الدولار.

وتبدو منظمة الأمم المتحدة في مقدمة المناخ الدال على قرب تلك الحرب، فهذه المنظمة التي كان من المفترض أن تصنع سلام العالم صار جنودها محل شبهات عند كثير من سكان الدول التي تولت جزءا من أمنها، وحق الفيتو فيها صار عملا إرهابيا مكتمل الأركان في كثير من الحالات، هذا إلى جانب الفشل الذريع الذي منيت به عمليات "حل النزاعات" التي قادتها المنظمة في إفريقيا الوسطى واليمن والعراق وسوريا وغيرهم.
 

ويبدو واضحا أن "ثمار" فشل هذه المنظمة في إدارة الشأن السياسي العالمي أضحت ناضجة، ولعل أولها خوض الحرب على العراق بقيادة أمريكا وبريطانيا دون موافقتها، ثم سعت هاتين الدولتين إلى جانب دول أوروبية أخرى أخذ زمام المبادرة في حل قضايا كالتي في ليبيا وسوريا والعراق وغيرهم في إطار سعيهم لـ "تخليص" المنطقة والعالم مما يسمى الإرهاب الدولي.
 

وفي خضم محاربة الإرهاب الدولي هذا، ظهرت خلافات حادة في معالجة قضاياه، قد تزيد التوتر العالمي مستقبلا إلى درجة "حرب عالمية"، ولعل أهم مثال في هذا قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بقانون جاستا الذي بمجرد إقراره من الكونغرس الأمريكي ثارت ثائرة السعودية ودول كبرى في الاتحاد الأوروبي، هذه الأخيرة التي هددت بقوانين مماثلة، وهو أمر ينبئ باحتمال دخول حرب حقيقية في هدم حصانة الدول القانونية، وتخيلوا ما قد يفرزه الأمر بعد ذلك..!
 

التوتر لا يتوقف هنا، بل يتعداه إلى هدم ركن ركين من أسس السلام العالمي، وهو تنمية العلاقات الدولية سياسية كانت أم اقتصادية، ولعل أهم معطى في هذا الجانب هو حالة الترهل التي يعيشها العالم على مستوى التكتلات الإقليمية الموجودة، فبداية من النظرة الألمانية القومية لأزمة اليونان مرورا باستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتهاء إلى صعود ترمب الواعد بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية المعروفة اختصارا بالنافتا، كلها أحداث تمهد لتفكك دولي ستنتج عنه بالضرورة خلافات أكثر عددا وحدة.

إن النفور الحاصل من تلك التكتلات كان وليد "تطرف قومي" بالأساس، وقد ينتج عن تشقق التكتلات تطرف قومي أكثر عمقا أيضا، ذلك أن الأمر سيتبعه بالضرورة سياسات حمائية للاقتصاد الوطني تقلص حجم التجارة الخارجية، هذه الأخيرة تعتبر أساس التعاون الدولي الذي ذكرناه سابقا كأحد أهم مرتكزات السلام العالمي.
 

ولأن الحروب المسلحة عادة ما تسبقها حروب اقتصادية، فإن بداية الحرب العالمية الوشيكة -ربما- بدأت بحرب عملات، فالدولار الذي ظل مستحوذا على عرش التجارة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية يلاقي اليوم حربا شعواء أهم أسلحتها اتفاقات الدول لتبادل تجاري بالعملات الوطنية بدل الدولار، وهو ما بدأته فعليا دول البريكس "البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا" منذ سنوات قليلة ببدء المشاورات حول الانتقال إلى العملات الوطنية في التبادل التجاري. ومن المنتظر أن يتوسع الأمر أكثر في السنوات القادمة.
 

يبدو إذا أن جل الظروف -وربما كلها- التي أيقظت الحربين العالميتين الفائتتين متوفرة، فهل يستطيع العالم اليوم بدبلوماسيته أن يمنع ريشة الحوادث العابرة عن ظهر السلام العالمي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.