شعار قسم مدونات

الموعد النهائي لتسليم روحك

blogs- l,u]

كثيراً ما أنام دون وعي مني، بينما أتابع فيلماً ما، بينما أقرأ، أو حينما أبدأ بالكتابة، أو بينما أتابع ملخص الـ"snapchat"، كل ليلة أقاوم تثاؤبي خمس ساعات، ولا أنام إلا عندما يرغمني جسدي، أتذكر مع نهاية اليوم أنني أرغب في قراءة مقتطفاتٍ من أشعارٍ صوفية، وأتذكر أنني يجب أن أطور من لغتي الإنجليزية، وتجتذبني محاضرات الفلسفة الموجودة على حاسوبي منذ أن كنت في الجامعة ولم أشاهدها حتى اليوم، وتستفزني يوميات منى حوا في إسبانيا فأشعر برغبة شديدة في متابعة محاضرات تاريخ الأندلس التي بدأتها ولم أكملها، مع غروب شمس كل يوم أتذكر كل خططي وأحلامي وأتوه فيها حتى أنام.
 

وأستيقظ كذلك مصدعةَ الرأس، يمتلئ نومي بالأحلام، وخلال النهار تمر أمامي كل الأماكن التي زرتها والأشخاص الذين قابلتهم خلال منامي، أستيقظ متأخرةً لأنني نمت متأخرةً جدًا، وأشعر بالسخط وبالغضب من نفسي لأنني أضعت النهار، في عقلي أجندة ممتلئة تنتظر أن أبدأ بتنفيذها منذ سنوات، ويمنعني عن ذلك جلدي الدائم لنفسي، وأشياء أخرى.
 

مؤسفٌ أن يصل الإنسان إلى نهاية عمره، ويتحسر على كل السنين التي خُطفت منه ولم يدرِ أين أضاعها، تماماً كما أصل إلى نهاية يومي ممتلئة بالحنق من نفسي لأنني أضعت النهار.

أذكر أنني في بداية عام ٢٠١٦ وضعت لنفسي خطة صارمة، لو نفذتها لكنت اليوم إنساناً مختلفاً، أفضل بلا شك، طبعاً هذه ليست الخطة الأولى التي تذهب هباءً تقريباً، وضعت في الخطة حوالي ٩٠ كتاباً لأقرأها، لم أقرأ سوى خمسة ربما، كنت متحمسة للغاية بداية العام، لكني كالعادة لم أتابع.
 

أعاني، أنا وكثيرون من أمثالي، من مشكلة الاستمرارية، أبدأ بدروس اللغة الفرنسية ثم أتوقف، أبدأ بتعلم الطبخ ثم أتوقف، أبدأ بممارسة الرياضة ثم أتوقف، أبدأ في قراءة سلسلة من الكتب في مجال ما، ثم، بكل تأكيد، أتوقف، كل هذه العادات الإيجابية التي نبدأ بها على إثر حماسةٍ تأخذنا، ثم لا نتابعها، غالباً لحجج واهية نعزي بها أنفسنا، لو أننا داومنا على فعلها لتغيرنا كثيراً.

أحاول أن أفهم: لماذا ؟ أجد الإجابة دائماً في أننا نفتقر لوجود "عداد وقت داخلي فعال "، هكذا أسميه، ذلك الصوت الذي يخبرنا أن مديرنا في العمل ينتظر التقرير مع نهاية الأسبوع، فنتابع العمل مذعورين، ذلك الصوت الذي يصمت فلا نسمعه عندما يتعلق الأمر بأشياء أخرى كممارسة الرياضة أو حفظ كلمتين من لغة جديدة يومياً أو قراءة مقال عبر ويكيبيديا قبل النوم، ببساطة لأنه لا يوجد هناك من ينتظر منا تقديم شيء ما، كلها أمور تخصنا وحدنا فقط، تجعلنا أفضل لأجل أنفسنا فقط، ولا "موعد نهائي" لها.
 

شاهدت مرةً عرضًا قدمه أحدهم، يتحدث عن قضية التسويف هذه، قال إنه اخترع طريقةً تجعله يخاف من عدم إنجاز هذه الأشياء التي ستغير حياته للأفضل إن فعلها، ولن تجعله أسوء إن لم يفعلها، ما فعله هو أنه وضع أمام مكتبه روزنامةً أسبوعية لحياة إنسان عمره 65 سنة، وهو عمرٌ متوسطٌ للإنسان، وجد فيها 3389 أسبوعاً، فإن كان في الخامسة والعشرين من عمره مثلاً، فقد تبقى لديه حوالي ألفي أسبوع فقط ليعيشها.. ألفي أسبوع فقط.
 

جربوا أن تضعوا روزنامة كهذه أمامكم، مكونة من 3400 مربع، مظللٌ منها ثلثها، وشاهدوا كم مضى من عمركم، ستصابون بالذعر بلا شك.
 

مؤسفٌ أن يصل الإنسان إلى نهاية عمره، ويتحسر على كل السنين التي خُطفت منه ولم يدرِ أين أضاعها، تماماً كما أصل إلى نهاية يومي ممتلئة بالحنق من نفسي لأنني أضعت النهار، يتحسر الإنسان على كل تلك المشاريع التي بدأها ولم يتابعها، لأجل أنه لا يوجد من يحاسبه إن لم يقم بها، لا موعد نهائي لتسليمها.
 

لن أضع خططاً لأجل ٢٠١٧، أعلم أنها تحمل مفاجآت كثيرة لأنني أود صنعها لنفسي، جل ما أتمناه فيها: أن أمتلك القوة للاستمرار.

إن كنتم مثلي، تعانون من هذه العادة السيئة، احرصوا دائماً على وجود من يسألكم عن آخر إنجازاتكم في المشروع الفلاني، شخصٌ تشعرون بالحرج من نجاحه، وتخجلون من أن يراكم دوماً في نفس المكان، دعوا أحداً ما يسألكم كل يوم: هل أكملت الحلقة التالية من السلسلة الفلانية؟ حدثني عن المقالة التي قرأتها اليوم، أم أنك قضيت كل نهارك في تحديث صفحة الفيسبوك الرئيسية؟
 

عندما أراجع خطة هذا العام، وعندما أراجع نهاري، وأجد أنني أضعت أغلبهما ولم أنجز ما أريد بالتحديد، بدون أسباب حقيقية، يأخذني شعورٌ عميق بعدم الاحترام لنفسي، بالغضب الشديد والحنق، لا تهدئني كل محاضرات التنمية البشرية ومقولات أنني مهما كنت ومهما حدث فأنا أفضل مخلوق خلقه الله تعالى وأستحق أن أحب نفسي وأحترمها، كل هذا، برغم كونه حقيقياً، لا يطفئ غضبي، ما يفعل ذلك حقاً، هو إنجاز شيء ما، أي شيء.
 

لن أضع خططاً لأجل ٢٠١٧، أعلم أنها تحمل مفاجآت كثيرة لأنني أود صنعها لنفسي، جل ما أتمناه فيها: أن أمتلك القوة للاستمرار.
 

أعتقد أننا ننسى مقارنة ما أنجزناه بالنسبة لما تبقى من وقتٍ لدينا، عندما يتعلق الأمر بتقييم حياتنا، على الأقل في فترة الشباب حيث نظن أنها ممتدة إلى المالانهاية، في هذا العام أود أن أتذكر دوماً، أن هناك موعداً نهائياً للتسليم، لتسليم روحي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.