شعار قسم مدونات

المؤتمر الشعبي وحصان طروادة!

blogs - sudan
منذ عام 2013 يقوم اليسار السوداني بعمل كل ما في وسعه لطرد حزب المؤتمر الشعبي المعارض من خانة المعارضة وفض أي شراكة ممكنة معه أو أي تحالف لصناعة المستقبل، وظل يدفعه دفعاً حثيثاً نحو خانة الحكومة، وكان من الطبيعي أن يصل إليها المؤتمر الشعبي ذات يوم.

الحركة الإسلامية التي انقلبت على الديموقراطية عام 1989، ثم انقسمت وغادر الشعبي السلطة حينها متعظاً من لدغة العسكر وتائباً من العنف والفردية والآحادية، وأخذ يبحث عن حلفاء جدد في الساحة لمواجهة النظام، فرفضته القوى السياسية اليسارية في بادئ الأمر ومارست الإبتزاز عليه ثم قبلت به في قوى الإجماع الوطني لما رأوا من بأسه وصلابة أعضائه الذين – إكتظت بهم السجون – في مقارعة الجنرال عمر البشير، قبلوا بالشعبي لبضع سنين ثم دب الخلاف بعد تأييد كل قوى الإجماع الوطني للإنقلاب العسكري في مصر ومباركتها لحكم العسكر والإنقضاض على الديموقراطية وما تلاها من مجازر وسجون وقمع لتيارات يرى الشعبي أنه يشاببها ولو جزئياً في المنطلقات والرؤى.

احتج الشعبي بقوة داخل قوى الإجماع الوطني على هذه المواقف اللا أخلاقية واللا مبدئية وسط إمتعاض من بقية القوى التي تتمنى سيسياً سودانياً يقوم بنفس العنف والقمع ضد رفيقها وحليفها الإسلامي في المعارضة!

رفضت القوى السياسية المؤثرة المشاركة في الحوار الوطني، ثم عاصفة الحزم ودعم السعودية اللوجستي والمالي للخرطوم، ودخول الإمارات في الخط السياسي، وخروج السودان من المدار الإيراني، وتقدم بشار على الثوار وسحق الثورة تحت نظر ومباركة العالم.

ثم خرجت مظاهرات سبتمبر وأقامت قوى الإجماع اجتماعات تم إقصاء الشعبي من حضورها رغم عضويته فيها، وحين ترنح النظام وظن البعض أنه وارثوه صرح فاروق أبو عيسى رئيس التحالف أنهم سيحاكمون قادة الشعبي، الذين ردوا بسحب كوادرهم من المظاهرات المستعرة وفتح النظام نيرانه على المتظاهرين العزل وسقط أكثر من مائة شهيد في مَقتلةٍ أليمة لم تشهد الخرطوم قبلها قط، وفشلت الهبة في التغيير ودب الخلاف بين الشعبي والإجماع الوطني وتلاوموا لوماً شديداً وانتهى الأمر بطرد الشعبي من قوى الإجماع الوطني.

أدرك الشعبي أن هذه القوى ليست ديموقراطية وليست معنية بالتغيير الديموقراطي وإنما فقط بالتغيير السياسي، وأنها تتربص به الدوائر ولا تنظر له كشريك للمستقبل وإنما تريد أن تستخدمه كحصان طروادة لتصل به إلى أهدافها ثم تلفظه.

لذا كان طبيعياً أن يفكر الشعبي في شريك آخر يقود معه مسيرة التغيير، ولكن من هو الشريك؟ هل يمكن أن يكون الشريك هو الحزب الوطني الحاكم الذي يحاصره الربيع العربي من كل جانب وتضاءلت شعبيته وتعاظم غضب الناس عليه؟ لا لا يمكن هكذا فكر الشعبي ،، هكذا حسم موقفه خصوصاً أن مرارة السجون والإعتقالات وعنف السلطة ضده لا يزال ماثلاً وجروحه لم تبرؤ بعد. ولكن الحزب الوطني بادر بالإتصال به وبقوى سياسية أخرى زاعماً أنه قرر التوقف عن الأحادية في الحكم وأنه يود مشاركة الحكم مع الآخرين وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة وفتح الحريات للجميع.

وقع الأمر على الشعبي كالصاعقة، فرد كتابة للوطني أن شروطه هي تحقيق الحريات كاملة للشعب، وعدم إستثناء أي قوة سياسية والسعي لتحقيق السلام وكبح جماح جهاز الأمن والحوار بجدية مع المسلحين والوصول لتفاهمات حقيقية وإعادة أمر الحكم للشعب باعتباره صاحب الحق الأصيل. كان رد الوطني الموافقة الكاملة بل طلب من الشعبي أن يكتب هو ما يريد ووعده أنه لا يمانع أن يترأس الشعبي رئاسة لجنة الحريات في الحوار الوطني.

لم يكن أمام الشعبي المطرود من قوى الإجماع التي قلبت له ظهر المجن سوى أن يقبل بهذا العرض الذهبي الذي لم يكن يحلم به في عزلته المجيدة، خصوصاً أن الدكتور حسن الترابي كان يخشى على السودان من التفكك إذا سقطت الدولة بصورة مفاجئة باعتبار المرارات المتجذرة في النفوس وإشتداد لهيب العنصرية وأن الحرب لا تدور في دارفور فحسب، وإنما تشتعل على حدوده الجنوبية في دولة جنوب السودان الوليدة وأيضاً في حدوده الغربية حيث تدور رحى المعارك بين حفتر والفصائل الليبية.

حدثت بعض التغيرات الهامة، خرج حزب الأمة من الحوار بسبب إعتقال رئيسه الصادق المهدي إثر قرار عجول إتخذه الجنرال البشير بعد أن أفاق من التخدير يعد عملية تغيير ركبة أجراها في مستشفى رويال كير وسط الخرطوم، وذلك غضباً من تصريحات قالها الصادق المهدي ناقداً قوات الدعم السريع في عصرها الذهبي حين نجحت في كسر شوكة التمرد ملحقة به هزائماً نكراء ، لكن الرئيس البشير دفع ثمن قراره غير المدروس غالياً فخرج المهدي خارج السودان وأخذ يصنع تحالفات ضد الحوار الوطني نتج عنه إعلان برلين وتحالف نداء السودان ونجح في إضعاف الحوار.

هم يريدونه حصان طروادة فحسب كما ذكرنا ، لكن ماذا لو كان الحزب الوطني الحاكم يريد الشعبي أيضاً كحصان طروادة يطيل به عمره ويحسن به صورته أمام العالم ثم يلفظه دون أن يبكي عليه أحد؟!

حدثت تغييرات هامة أخري حيث رفضت بقية القوى السياسية المؤثرة المشاركة في الحوار الوطني، ثم عاصفة الحزم ودعم السعودية اللوجستي والمالي للخرطوم، ودخول الإمارات في الخط السياسي بشروطها، وخروج السودان من المدار الإيراني، وتقدم بشار على الثوار وسحق الثورة السورية تحت نظر ومباركة العالم الذي لم يحرك ساكناً، أما الحدث الأهم هو وفاة الدكتور حسن الترابي الرجل الذي كان يضع له البشير الف حساب، كل ذلك أضعف الحوار ورفع من مطامع الحزب الوطني الحاكم وجعله يتراجع ويناور في الحوار الوطني.

أصبح موقف الشعبي حرجاً جداً فهذا ليس الحوار الذي كان يتمناه، ولكنه إن تراجع عن الحوار واستحقاقات المشاركة خسر خسراناً مبينا ودمر كل ما بناه من مكاسب -وإن كانت منقوصة- وسيصبح كمن نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.

أما إن شارك فهو يزعم أنه يستطيع التأثير في الوطني عبر وزرائه وعبر البرلمان لينتزع أكبر حقوق وحريات ممكنة للشعب وأن لا يترك الأمر بيد الوطني وحده، وسيتعرض الشعبي لهجمة شرسة من خصومه اليساريين ولكن هذا ليس المهم بالنسبة له فهم لم يتوقفوا عن هجومهم عليه يوماً ولن يتوقفوا ولو سكب لهم العسل في أفواههم، هم يريدونه حصان طروادة فحسب كما ذكرنا، لكن ماذا لو كان الحزب الوطني الحاكم يريد الشعبي أيضاً كحصان طروادة يطيل به عمره ويحسن به صورته أمام العالم ثم يلفظه دون أن يبكي عليه أحد؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.