شعار قسم مدونات

هوليوود التي لم تُعجب أحد!

blogs - syria
كمْ نعشقُ النيران الصاعدة منْ أفلامِ هوليوود الشَهِيرة، وكمْ تُثِيرُنا أصواتَها المُرْعِبة وتقْشَعرّ أجْسَادَنا حُزْناً وفرَحاً وَحُبَّاً بِبَطَلِ الحِكاية أو كرهاً بالشريرِ القاتل، ما أبْسَطَ مشاعرنا الممزوجة بالحب والكره ونحن نتغنّى بها وراءَ الشاشات ونتأرجحُ بالانفعالات التي تسوقُنا وفقَ ما يروقُ لمخرجِ الفلم.

أو ما يحبهُ الجمهور وهنا بيت القصيد، فغالباً ما نمضي ساعات غير قليلة ونحن نسترق بعض المشاهد من الأفلام التي تثير اهتمام الكثير، أو تلك التي حققت مشاهدات بالملايين على الإنترنت أو ما يتناقله الشارع، فالشائع هنا ما كثر من سلاح متطور وما قلّ من وعي وصواب، وما بلغ من خسائر بشرية ومادية.

لكن ثمة سؤال صعب.. لماذا نكذب على أنفسنا عندما ندّعي السلام ونتأرجح بالسلالم الموسيقية ونكرر مفردات الحب ونمجد الإنسانية وننبذ الحروب إذا كانت نفوسنا بالأساس متطرفة نحو الخراب، متطرفة نحو الموت الذي يروق لنا مشاهدته في أوقات الفراغ؟ أو حتى في ألعاب أطفالنا الالكترونية المتعددة.

هل أصبح الفيلم السوري مملاً ومبتذلاً ومطروقاً، أم هل أصبحت أشلاؤنا وقبح أجسادنا الممزقة ودماؤنا تسيء للناظرين وتجرحُ العينَ بفجاجتها؟

قلّبت كثيراً بين الكلمات بحثاً عن أي تفسير عندما كنت أسير في شوارع إدلب فاستوقفتني مشاعر الطفولة الفاضحة في إحدى صالات الألعاب، دخلت إلى المكان بصمت دون أن ينتبه لي أحد وإذ بمجموعتين مناهضتين كل واحدة اتخذت طرفاً للقتال عبر ألعاب الكمبيوتر بالرغم من زحمة الطائرات في السماء..

تقرأ في عيونهم فرح الانتصار تارةً ودموع الهزيمة تارةً أخرى، ما أجمل الانتصار على الخصوم وما أبشع الهزيمة عند تكبّر الأقوياء، فالمغلوب على أمره قد يضطر لدفع تكاليف الحرب للبائع، وما أكثر البائعين في رواج هذه اللعبة. فالحرب دائماً هي سوق الأمراء وكراسي السلاطين ومناصب المستغلين لضحاياها.

وأنا أرتب هذه الكلمات في الساعة ال 1 و28 دقيقة بعد منتصف ليلة الـ 13 من يناير 2017 تحلق 3 طائرات في آن معاً، روسية أو سورية، تحالف دولي أم طائرات إسرائيلية، لا يعنيني الأمر فأنا أتخيل أنني واحد من ضحايا هذه اللعبة التي قرأتها في عيون الأطفال الصغار ومشاعر الجماهير العاشقة لسلاح الأفلام الهوليودية، فمن ذا الذي سيفرح لقتلي أو لقتل عائلتي أو أقربائي وجيراني، من الذي سيشعر بلذة النصر، هل هو اللاعب أم المخرج أم الجمهور؟

ربما سيستمتع الطيار بمنظر النيران المضيئة بعد منتصف الليل وسينصرف بعدها لزوجته وأولاده بعد أن قضى دقائق قليلة في رحلة جوية وكأن شيئاً لم يكن، أين هو الجمهور الذي يمكن أن يتعاطف مع هذه الضحية أو قل الملايين من الضحايا، فهل أصبح الفيلم السوري مملاً ومبتذلاً ومطروقاً، أم هل أصبحت أشلاؤنا وقبح أجسادنا الممزقة ودماؤنا تسيء للناظرين وتجرحُ العينَ بفجاجتها، أم أن العينَ الثالثة التي يحملها المصورون لا تعرف كيف تحول الهزيمة إلى نصر، ولا تعرف أن القاتل لا يمكن أن يكون بطلاً، هل فشلت هذه العين في ترجمة الواقع لفيلم سينمائي مثير.

ما أصعب المجازفة بنهاية الأفلام فأنت بين خيارين إما أن تكون البطل وتتذوق طعم النصر وإما أن تكون الضحية، وهذا غالباً ما يخلق غصة تبقى عالقة في حناجرنا بالكاد تنفجر ألماً، وآخرها فيلم حلب المثير عاطفياً والفقير بجمهوره، ما أصعب الخاتمة التي اضطر فيها أحد ناشطيها أن تفضحه مشاعره بالبوح معترفاً بالهزيمة "أنا بانتظار الموت أو الأسر من قبل نظام الأسد، ولكن يشرفني أن أموت منتصراً على تراب أرضي خيراً من أن يأسروني وأن أكون في صفوف ميليشياتهم التي لا دين لها، سامحوني وادعوا لي بالمغفرة واذكروني بالخير، لعله آخر منشور أقوم بنشره بسبب تقدم قوات النظام علينا، حقاً ما يحصل الآن في حلب شبيه بيوم القيامة".

لماذا استبقنا البشرية لأن نشبّه أيامنا بيوم القيامة ونعيش أهوالها بمفردنا دون من يراقب حتى قصة موتنا المعلن؟ هل قامت القيامة حقاً في سوريا!

تقرأ في كلماته الهزيمة وتقرأ في كلماته أيضاً البطولة وهو يكتب رسالته الأخيرة ظناً منه أنها الكلمات التي تلفظها الروح قبل طلوعها للسماء، فالحرب أخفقت حتى عيون الموثقين وهي تسقط عند جحافل من لا يميز بين مدني وعسكري وطفل وعجوز أو حتى صحفي، فكم ذاكرة بشرية نحتاج اليوم لندون للتاريخ ما لا يستوعبه عقل أو كتاب أو مقال، ثم كم شاهداً سيبقى على قيد الحياة ليروي لهذا الكوكب كم نهرٍ من الدماء جرى في شوارع سوريا، ما أغلى كراسي الزعماء وما أرخص استباحة دماء الأبرياء في حضرة الغرور بالمناصب..

تتقلب الأسئلة الألف التي تنقب جدران الذاكرة في كل يوم وإبّان كل مجزرة يرتكبها الأسد أو حليفه الروسي، لماذا استبقنا البشرية لأن نشبّه أيامنا بيوم القيامة ونعيش أهوالها بمفردنا دون من يراقب حتى قصة موتنا المعلن، هل قامت القيامة حقاً في سوريا؟

لم ينته الفيلم السوري بعد، فلعل الضحايا أكثر بكثير، ولعل تكلفة هذا الفيلم أكثر مما صُرف من ملايين الدولارات على صناعة الأفلام الوهمية، فمن هو المخرج الذي رتّب ومن هم الممثلين الذين أدّوا الدور وأين الجمهور لينظر لتلك الحكاية الفقيرة الوحيدة، لماذا هوليود لم تعجب أحد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.