شعار قسم مدونات

في ذكرى ميلاده.. هكذا تحدث مولانا الرومي

blogs- صوفي

في عوالم التصوف الإسلامي ربما لم يبلغ أحد ما بلغه مولانا جلال الدين الرومي من شهرة وهيبة تجاوزت ما كانت محصورة فيه جغرافيا في العالم الاسلامي لتشمل باقي بقاع الكون، – مولانا – كما يلقبه عشاق التصوف تعتبر طريقته وفلسفته ذات صيت عالمي جذبت الإنسانيين بمختلف دياناتهم وجنسياتهم، فهو الذي يتغنى بأشعاره المسلم والمسيحي والبوذي واليهودي.

مولده ونشأته:
هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، بعض المؤرخين يرجعون نسبه إلى الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، ولد بمدينة بلخ بأفغانستان سنة 604 هـ إلا أنه تركها في الخامسة من عمره ليسافر مع اسرته ويزور مختلف المدن الكبرى في ذلك العهد، تعلم العلوم الشرعية على يد والده الذي كان فقيها حنفيا ثم على يد برهان الدين صديق والده وتولى التدريس خلفا له بعد ذلك، وفي تلك الفترة كان جلال الدين فقيها ورجل دين معروف في الأوساط الدينية حتى لقب بـ "إمام الدين وعماد الشريعة "، إلا أن لقاءه بالشاعر المتصوف شمس الدين التبريزي سنة 642 هـ كان بمثابة منعطف حاسم في حياة الرجل.

استطاع جلال الدين الرومي أن يطور طريقة التصوف وجمع فيها ما تعلمه من علوم شرعية وفقهية وبين ما تعلمه على يد شيخه التبريزي وكان ميله نحو النزعة الفلسفية التأملية

تجربته في التصوف:
تتلمذ جلال الدين الرومي على العديد من الشيوخ من عدة مدن في مقدمتهم والده الشيخ بهاء الدين، إلا أن أكثرهم تأثيرا عليه كان المتصوف الفارسي الشهير شمس الدين التبريزي، الذي ساعده على التحول الرهيب الذي عاشه الرومي فكرا وسلوكا، حيث انتقل من جماعة العلماء الفقهاء إلى زمرة المتصوفة العارفين بالله وقد قال عن ذلك جلال الدين الرومي
« إن شمس الدين التبريزي هو الذي أراني طريق الحقيقة، وهو الـذي أُدِينُ له في إيماني »

اللقاء بين الرومي والتبريزي تناولته الكثير من الكتابات والروايات والأشعار وتردد ذكره بين أهل التصوف، وكان الناس في ذلك العهد تتملكهم الدهشة والاستغراب من تتلمذ الرومي وهو الفقيه العلامة صاحب الأنصار على يد شيخ غريب، والأكيد أن الرومي وحده من كان يملك الإجابة بعد أن انجذب إلى التبريزي وروحانيته وحكمته العالية.

استطاع جلال الدين الرومي بعد ذلك أن يطور طريقة التصوف وجمع فيها ما تعلمه من علوم شرعية وفقهية وبين ما تعلمه على يد شيخه التبريزي وكان ميله نحو النزعة الفلسفية التأملية واضحا فيما خطه من المنظوم والمنثور الذائع الصيت.

وربما قد يكون سبب شهرة وانتشار كتابات جلال الدين الرومي إلى براعته في الكتابة الأدبية وقدرته على إيصال أفكاره وآراءه بصياغة متقنة الكلمات والمعاني ويتجلى ذلك في كتابه "المثنوي" وهو أشهر مرجع صوفي في إيران والعالم الاسلامي.

كان الخطاب العاطفي حاضرا بقوة لدى الرومي حيث أن المفردات الدالة على العشق والحب والوجدان طاغية في أشعاره، واستثمر في ذلك مقومات أدبية وخصائص فنية بإتقان فريد.

يقول جلال الدين الرومي " استمع الى صوت الناي كيف يبث آلام الحنين يقول: مذ قطعت من الغاب وأنا أحن إلى أصلي "، من يتعمق في هذه القولة يستوعب قوة المعنى وإفراطه في ملامسة المعاناة والآلام التي تجتاح قلب أي إنسان.

ترك جلال الدين الرومي تراثا عظيما من الكتب التي تضم النثر والشعر وتعتبر اليوم كنزا إنسانيا خالدا يختزل حكمة الإنسان المحب العارف بالله، واكتسب بذلك احترام وتوقيرا وشهرة عظيمة

لقد تهافت أصحاب الملل والأديان والمعتقدات على تراث مولانا وذلك يرجعه المهتمون والدارسون الى خطاب جلال الدين الرومي المتسامح والمحب والداعي إلى الإخوة، فقد فهم الرومي جوهر التعاليم القرآنية ووصايا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حيث غرق وأغرق معه الناس بحب الله وعشق المعاني الإلهية، فمعظم أشعاره التي يتغنى بها عشاقه تتمحور حول محبة الإله الخالق. دخوله إلى عالم التصوف أكسبه طاقة روحانية مميزة جعلته يهيم في البحث عن الله وإدراك حقائق الوجود الكوني.

وبحكم أنه فقيه متبحر في العلوم الدينية الشرعية ومتصوف عارف بالله، طبق مولانا الرومي معنى الآية التي خاطب فيها الله عز وجل نبيه الشريف " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وهي جوهر رسالة الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم، فقدم بذلك خطابا كونيا يسع الإنسان المسلم وغير المسلم من باقي الأديان والمعتقدات، خطاب يرتكز على المحبة بين البشر وبذل الخير والإحسان وهو طريق الوصول إلى الله وكسب مرضاته.

ترك جلال الدين الرومي تراثا عظيما من الكتب التي تضم النثر والشعر وتعتبر اليوم كنزا إنسانيا خالدا يختزل حكمة الإنسان المحب العارف بالله، واكتسب بذلك احترام وتوقيرا وشهرة عظيمة ومحبة الملايين من مختلف بقاع العالم حتى أن أشعاره ترجمت إلى العديد من اللغات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.