الحبُ خليةُ الروحِ الأولى، ودفءُ مساماتها لأنه عطاءٌ إلهي بالروحِ ونفخها، وهو مستَقِرٌ في القلبِ، لذا فما لامسَ صفحةَ القلبِ ومرآةَ النفسِ، وما خُلق من روحِ الأبدِ، لابد ألّا يكونَ إلا قُدسيًا لا يمت لغرائز الزوال بصلة. |
ابتدأ الحبُ كعطاءٍ إلهي لهيئتنا الأولى – هيئة خلقنا الأول – لكان العطاء عطاءَ تكريم ورحمة لانتقالِ البشريةِ من فناءِ العدم إلى وصل الوجودِ ،عندما كانت البشرية أنفاسًا تسبحُ في ملكوتِ رحمته، في عوالم غير هذه العوالم التي نعلم، وهنا كانَ علةُ وجودنا ونقطةٌ الخلق الأوضح لنا، هذا في البدءِ والإبتداء، وبعد هذا أتى الحب ليكونَ طلبًا فطريًا تابعًا لعلةِ الوجودِ والخلق، ليكونَ أبانا آدمَ مناديًا به، لتأتي رحمةُ الله هنا وتقطفَ من وجودية آدمَ وكينونتهِ حبًا خالصًا تمثلهُ حواء بكل كمالها البشري الممنوح من الله، وتكونَ اكتمالًا وكمالًا لوحدةِ آدمَ في الجنة، وفيكونَ الحب هنا هيئةً معاينةً وسببًا مُدركًا.
هذا هو الحب! فكيفَ لغرائزِ البشرِ أن تُدنسهُ، وتُلطخَ حبائل وصلهِ مع الله، بكلِ قذاراتِ الإساءةِ البشرية؟
الحبٌ كذبةٌ إذا ما اتُخذَ بالصورة هذه، غريزيٌ لحظيٌ لا يتعدى لغةَ المادة ولا ينعتق منها، يتماها بعيدًا عن أصالتهِ وأصلهِ الأبديين، وعن صفاتِ منحهِ المباركة المستدامة. ناهيكَ عن عظمةِ خلقتهِ وكينونةِ ولادته، الحبُ خليةُ الروحِ الأولى، ودفءُ مساماتها لأنه عطاءٌ إلهي بالروحِ ونفخها، وهو مستَقِرٌ في القلبِ، لأنهُ منتزعُ من ضلوعهِ على هيئة أنثى الكمال الإنساني والفطري، لذا فما لامسَ صفحةَ القلبِ ومرآةَ النفسِ، وما خُلق من روحِ الأبدِ، لابد ألّا يكونَ إلا قُدسيًا لا يمت لغرائز الزوال بصلة، وهذا الوعي ضرورةٌ لازمةٌ لإحياءِ أصل الروحِ وحبها، ومنبتِ الخلاصِ المُنتقى لكل وجعٍ تتكبدهُ هذه الحياة من سقمنا المتأصل في مفاهيمها العميقة والأبدية، والتي توصل وجوديتنا الفانية إلى نورانيةِ الأبد المحضِ المتصلِ بكرم الله سبحانه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.