شعار قسم مدونات

لن أُشَجِّع المنتخب!

blogs - sisi egypt football
(1)

شاهدت صورة محمد صلاح إلى جوار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحزنت كثيرًا من أن نجم منتخب مصر قرر أن يأخذ موقفًا سياسيًا معينًا وحزنت أكثر من أولئك الذين قرروا أن يمزجوا كرة القدم بالسياسة. أخرجوا الرياضة كلها من عالم السياسة، لا تلوثوا متعتنا الوحيدة بحساباتكم السياسية الضيقة، محمد صلاح لا يرتدي قميص عبدالفتاح السيسي وإنما يرتدي قميص منتخب مصر ولا شيء سوى مصر، التي هي فوق كل رئيس وحكومة أو حزب، مصر الوطن التي نعمل على تقدمه وازدهاره ورفعته في كل المجالات. تحيا مصر.

كرة القدم ليست فقط فرجة ومتعة يا هذا.. إنما هي مجال لجلب الشرف أو العار، ألا تشعر بالحماسة والفخر عندما يُعزف النشيد الوطني المصري ويضع اللاعبون أكفهم على صدورهم مرددين النشيد بكل فخر واعتزاز؟.. ألا تشعر بالفخر عندما يُرفع العلم فوق منصات التتويج ويُكتب اسم بلدك في سجلات التاريخ؟.. لحظات العزّة هذه لا يضاهيها أي شيء أخر، لحظات نتوحد فيها كلنا تحت العَلَم رامين خلف ظهورنا خلافاتنا السياسية الضيقة.
 

"كيف تريدني أن ألعب مباراة كرة قدم على بُعد أمتار من معسكرات اعتقال يُعَذَّبُ فيها الناس؟" – يوهان كرويف، الأسطورة الهولندية.

(2)
"كيف تريدني أن ألعب مباراة كرة قدم على بُعد أمتار من معسكرات اعتقال يُعَذَّبُ فيها الناس؟"
– يوهان كرويف، الأسطورة الهولندية.
الحدث هو المباراة الفاصلة للصعود إلى كأس العالم 1978 عن قارة أوروبا بين منتخبي بلجيكا وهولندا.. تنتهي المباراة بفوز المنتخب الهولندي بهدفين مقابل لا شيء، وبهذه النتيجة يصعد المنتخب الهولندي إلى كأس العالم والتي ستقام على الأراضي الأرجنتينية. بعد المباراة يهرول الصحفيون إلى نجم المنتخب الأول يوهان كرويف ليسألونه عن طموحاته وآماله وعما إذا كان ما زال مؤمنًا بحظوظ منتخب بلاده للظفر بالكأس، خاصة وأن المنتخب الهولندي قد خسر النهائي الأخير أمام ألمانيا الغربية بصعوبة بالغة. يرد كرويف صادمًا ليس فقط لهولندا بل للأمة الكروية كلها "لن ألعب في كأس العالم القادمة" ولا يبدي النجم الكبير أية أسباب، وبعد تعرضه لضغوط للعدول عن قراره يعلن اعتزاله اللعب دوليًا وهو القرار الذي سيعود عنه بعد انتهاء البطولة.
 

والحقيقة أن الأمر لم يكن يحتاج إلى إبداء أسباب، فالحقيقة شاخصة أمام العالم أجمع. يحكم الأرجنتين جنرال ديكتاتوري يقتل معارضيه ويخفي بعضهم ويلقي في المحيط أولئك الذين اعترضوا على مصير الأولين، يقتل النساء أو يجعل مصيرهنّ مجهولاً طول العمر، ولا يُعرف لهم أثر ولا يُستدلُّ لهم على طريق.
نظامٌ يضع معسكرات الاعتقال حول الاستادات الكروية، كيف يمكن لأحدهم اللعب وهو لا يستطيع أن يميز إن كانت الآهات والحناجر التي تصرخ قادمةً من المدرجات أم قادمةً من تلك المعسكرات!
ماذا تفعل كرة القدم في وطن ضائع كالأرجنتين آنذاك.

لم يذهب كرويف إلى البطولة، وخسرت هولندا النهائي بثلاثة أهداف لهدف أمام الدولة المستضيفة، وشُتم كرويف حينها واُتهم بالخيانة وأنه ترك منتخب بلاده يواجه عمالقة التانجو وحدهم، وربما رفع عليه محامٍ هولندي قضية لإسقاط الجنسية الهولندية عنه.

لكن ما قدمه كرويف لنا كان أكبر من ذلك كله، أعطانا النجم الهولندي درساً يرينا فيه الكرة في حجمها الطبيعي. الكرة كما ينبغي أن تكون لا كما هي الآن. صحيحٌ أن الكرة أكثر من مجرد لعبة، وأنها تعطينا الكثير من الدروس والعبر وبها من السيناريوهات ما تشيب له الرؤوس، لكنها في النهاية ومهما تعلقنا بها وأحببنا نجومها وأساطيرها وأنديتها؛ مجرد وسيلة ترفيه وترويح عن النفس؛ ترسم بسمةً على وجه مُرهق أو تُنسي تعب يوم عمل شاق، ولكنها لا تمنع أسواط الجلادين من الانهمار على جلود المظلومين ولا تنقذ أرواح البشر ولا توقف الانقلابات العسكرية، لكنها قد تكون وسيطاً لإرسال رسالة معينة أو أخذ موقف أخلاقي شجاع.

(3) 

لن أشجع المنتخب، لأنني لا أريد أن أرى صورة عبدالفتاح السيسي الذي قتل الأبرياء وروّع الآمنين وشرّدهم من ديارهم وهو يحمل الكأس ويبتسم ابتسامته السمجة المعهودة.

أُدرك أنَّ هناك ملايين المصريين الآن ينتظرون يوم الثلاثاء على أحرَّ من الجمر لكي يروا منتخب مصر مرة أخرى في بطولة أمم أفريقيا بعد غياب دام سبع سنوات، ملايينٌ يبحثون عن شيء يبعث الضوء في حياتهم التي تزداد بؤسًا يومًا بعد يوم، يبحثون عن أي سبب للفرحة والابتهاج، يبحثون عن أي شيء يفتخرون به ويعتزون به بعد ثلاث سنوات ثقيلة وكئيبة على النفوس، ورغم تفهمي لكل هذا، لكن يا سادة يا كرام ما تبحثون عنه ليس موجودًا في مباريات كرة القدم.

صحيح أن فكرة "المنتخبات الوطنية" هي فكرة سياسية، فالمنتخب يمثل البلاد، والبلاد يمثلها النظام السياسي، وأي انتصار لهذا المنتخب سيصب تلقائياً في حساب النظام السياسي. وأن أي مشاجرة بين اثنين وعشرين شخصاً يرتدون قمصان منتخباتهم الوطنية ستتحول إلى حرب كلامية وإعلامية بين شعبين بأكملهم، إلا أن هذا ليس هو جوهر كرة القدم، وأن هذا ليس ما ينبغي أن تكون عليه كرة القدم حتى وإن كان هذا ما هي عليه الآن.

ولأنني لا أستطيع تغيير ما هي عليه الآن، فإنني لن أشجع المنتخب المصري، أو على الأقل سأحاول، في منافسات بطولة أمم أفريقيا المقامة حاليًا في الجابون.
لن أشجع المنتخب، لأنني لا أريد أن أرى صورة عبدالفتاح السيسي الذي قتل الأبرياء وروّع الآمنين وشرّدهم من ديارهم وهو يحمل الكأس ويبتسم ابتسامته السمجة المعهودة. لا يستحق السيسي أن ينال لقطة كهذه أبداً. لا أريد أن أرى تلك اللقطة تحديدًا لأنها ستكون ظالمة ومهينة بشكل لا يوصف لكرة القدم، كرة القدم التي قتل لها عبدالفتاح السيسي 20 مشجعاً بريئاً لم يجمعهم سوى حبهم لها وإخلاصهم لناديهم.
لن أشجع المنتخب لأن عبدالفتاح السيسي الذي يرفض أن يفتح الاستادات مرة أخرى للجماهير لأنه يخاف أن يشتموه من داخلها، لا يستحق أن يُكتب اسمه ولو على الهامش في سجلات كرة القدم.

لن أشجع المنتخب لأنني لا أريد أن يتكرر نموذج الديكتاتور الأرجنتيني "خورجي فيديلا" مرة أخرى عندما فازت الأرجنتين في عهده بأول ألقابها في كأس العالم.
لن أشجع المنتخب، لأنني ببساطة أحب كرة القدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.