شعار قسم مدونات

جامعاتنا.. إلى أين نسير بها؟

blogs - university

من المؤكد أن جامعاتنا التي شاخت قبل الأوان تعيش بلا شك هي الأخرى في خضم بيئة دولية معاصرة تشهد نهضة غير مسبوقة في سبيل تنامي دور العلم والمعرفة باعتبارهما معطيان تستمد منهما العولمة وجودها الحقيقي؛ في وقت لا يمكن لكائن من كان أن يعيش النكوص الذي تعيشه جامعاتنا، وكأنها في معزل عن نفس العولمة التي أصبحت تأتي على الأخضر واليابس..

وبالتالي أصبح بحثنا العلمي يعيش الغرغرة في وقت، ويا لها من مفارقة تبكيها البواكي، بينما كان من المفروض أن يستند ويعانق آليات وانتشار العولمة وتسيدها لمجريات العلاقات الدولية المعاصرة، مخترقين الحواجز الوهمية التي ترتب عنها طوال عقود مضت من تآكل في الحلول الترقيعية التقليدية التي لم تبرح مجتمعات ودول العالم الثالث.

ولعل من كان يتشدق بمفهوم الإصلاح وهو لا يمت بصلة لعالم بعيد عنه بعد السماء عن الأرض، كان وبكل تأكيد يرى بأم عينيه بروز تداعيات هيمنة ثورة المعلومات، وتدفقاتها المتجددة، ودوائرها المعقدة، وتعاظم موجات التطور التكنولوجي على اتساع مجالاته، وتسارع تطبيقاته.. لكن إذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظروا الساعة كما يقول العارفون والمحترمون للتخصصات وبدون مزايدة.

انقلبت الحكمة الشائعة: الجهل عار والعلم نور، إلى الجهل نور والعلم عار.. فأصبحنا نصدِّر خيرة شبابنا إلى دول لم تنفق عليهم ملّيما واحدا.

ولعل الذي جعلنا نلتفت وبشكل مخيف إلى كل هذه المخاوف التي تطوق جامعاتنا التي تعيش تراجعا غير مسبوق؛ هو ما تعيشه باقي جامعات العالم في ظل هذه البيئة الدولية التي ظلت تعيش تنافسية عالية في مجال البحث العلمي الذي يمثل الصورة الحقيقية لأي بلد كائنا من كان، وفي ظل العولمة التي تبرز يوما بعد يوم أهمية وخطورة دور الجامعات باعتبارها المنتج الأصيل للمعرفة وتطبيقاتها، وتتعاظم مسئوليتها في الاستجابة لتحديات عالم لا يرحم من ينامون نوم أصحاب الكهف..

ولا يفكرون أصلا في البحث عن التفاعل مع تأثيراتها على الأمن الوطني للدول التي تحترم شخوص علمائها ومفكريها ومثقفيها من أبنائها الذين أصبحوا يحملون من الشواهد العليا ما لم يكن يخطر على بال، لكن مع الأسف الشديد انقلبت الحكمة الشائعة: الجهل عار والعلم نور، إلى الجهل نور والعلم عار.. فأصبحنا نصدر خيرة شبابنا إلى دول لم تنفق عليهم مليما واحدا ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف.. فبأي لسان، وبأي لغة يمكن لنا أن نتكلم في معمعة عالم العولمة، على تنوع مكانتنا وتباين مستويات قوتنا الفكرية والعلمية الوطنية على الساحة الدولية؟..
 

أتمنى من «زعماء الإصلاح» في وطننا أن يقنعوا حتى المغفلين منا بهذه الأسطوانة المتآكلة.. ترى أين نحن من كل التفاؤل الذي طالما أمطرنا به صانعو هذا الإصلاح المزعوم سواءً تعلق الأمر في ذلك بمدى نطاق القدرات الوطنية على إنتاج المعرفة ونقلها وتطويرها والاحتفاظ بها، أو بما يترتب على ذلك من سياسات وقرارات بتخصيص الموارد، وتحديد الأولويات، واختيار البدائل، وتحمل تبعات تلك القرارات والسياسات، ومحصلة تأثير تلك الدوائر مجتمعة على وظيفة الجامعة الحداثية في صياغة مفردات التكوين العلمي والفكري والمنهجي للإنسان المغربي باعتباره هدفا للتنمية من جانب ووسيلة إليها من جانب آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.