شعار قسم مدونات

المفهوم الإلهي للكهرباء لدى الغزيين!

blogs- غزة

رؤوس ممتلئة بالأحلام وممزوجة بقوة ذاتية تقتحم السحب السماوية، الثوار يرقصون جنون الحب في مساحة لا تكاد تُحسب، ودخولهم بأوتار فائقة من السعادة بالرغم الكبت والضغط، التفهم العميق لصبي لم يتجاوز عمره العاشر، وشروع المواطن الواحد التحكم بالعالم بأفكاره المذهلة، هكذا الغزيين! ولكن.. يُحرم عليهم شيءً، لذلك دعونا ندخل بمفهوم الحرمان بمنظوره الآخر.
 

"الحرمان" يُعد من أقصى درجات الألم، بل يُصنف بجوار عناصر الكون الخمسة ليصبح سادسها، الحرمان جعل كل إنسان غزي يطلق عنان إرادته وصنع قدره بنفسه! أتتساءل كيف؟ ببساطة، فقط افترض أن الغزي يتعايش مع عدم حرمانه من الكهرباء المتواصل، وخير مثال الشباب الذي صنعوا مجموعة الأحلام بمجرد خروجهم من بلادهم، إضافةً إلى العلماء الذين يصنعون مولدات كهربائية من داخل قوقعة القطاع وغيرهم، هذا هو نتيجة الحرمان لديهم.

معدل عدد الأطفال الذين يموتون بسبب الكهرباء وغالبيتهم حرقاً وبعضهم صدمةً كهربائية من 4-5 أطفال سنوياً، معظمهم قتلوا بسبب نزول آخر قطرة شمعةً بقطعة قماش!

هل من الممكن أن تنشئ كهرباء غزة صندوق نقد دولي جديد؟
لم لا، قطاع غزة فاق الواقع بنفسه! عدد الأسُر المشتركين بالكهرباء ولديهم منازل أكثر من 320 ألف أسرة، ويعمل التيار الكهربائي لديهم فقط لمدة 4-6 ساعات يومياً. دعنا نقول إنهم يحتاجون إلى مصابيح إنارة، لكي ترى الأم ماذا تحتاج لتُطعم أولادها، ولكي يستعد الطالب للدراسة ويحقق أحلامه، ولكي يستطيع الأب كسب الرزق من خلال بقالته الصغيرة.
 

إذن نحتاج إلى 3 مصابيح وسعر كل مصباح دولاراً واحداً، وسعر البطارية الكهربائية 16 دولاراً وسعر الشاحن لتلك البطارية 10 دولاراً وسعر أسلاك التوصيل لتلك المصابيح 3 دولارات، إجمالي هذه التكاليف والتي هي كحد أدنى للأسرة الواحدة 62 دولاراً، مما يعطي أذهاننا بشكلٍ بسيط إجمالي تكاليف جميع الأسر لتلك الأدوات المطلوبة أكثر من 19 مليون دولاراً فقط لثلاثة مصابيح، مع العلم أن تاريخ انتهاء صلاحية "موت" البطارية 12 شهراً، والمهين بالأمر أن هناك بعضاً من الأسر ليس معها أقل من دولار لكي تشتري "علبة كبريت" وترى لوهلات قليلة.|
 

وأيضاً لنقُل أن هناك 100 ألف أسرة تستعمل المولدات الكهربائية، سعر المولد الصغير 105 دولاراً علماً بأن المولد يحتاج إلى المحروقات للتشغيل بما يعادل 52 دولار شهرياً، وهذا يكرر العملية أعلاه ويعطينا رقماً خيالياً بدءاً من الشهر الأول لتشغيل هذه الأدوات ألا وهو أكثر من 15.7 مليون دولاراً، ويحتاج 62 مليون دولاراً سنوياً تبعاً لاحتياجاته من المحروقات.

وأيضاً نسبة المنشآت والتي تضم المصانع والشركات والمؤسسات والمراكز وغيرها من التبعات عــدا "المساجد"، تشكل أكثر من 122 آلفاً ومن خلال مراحل البحث والملاحظة بأن معظم المنشآت العاملة على دوام جزئي باليوم، حيث لكل منشئة واحد تحتاج شهرياً 68-78 دولاراً، ولكن المثير بالأمر ويجعل الأمور تتفاقم ويصبح الوطن غير مستقر وجدانياً بأن المساجد في قطاع غزة بأنها تحتاج شهرياً إلى ما بين 50-55 آلف دولار!
 

هناك جانب آخر يزيد من الأمر تفاقماً بأن هناك ضرائب على المحروقات الخاصة لشركة الكهرباء منها ضريبة "البلو" والضريبة المضافة، وأن المنحات القطرية التي تبلغ 25 مليون دولار من المحروقات لا تكفي تشغيل 17 يوماً حسب مصادر الشركة، بالمناسبة هذه ليست كل الأرقام، فهناك أرقام خاصة "فتاكة" تحت الأرض. "كل الأرقام تقريبية وحُسب بالحد الأدنى".

عندما يسألنا أجنبي ما عن وضع القطاع دائماً يصدر الرد الأولي "ما في كهرب عنا دايما قاطعة" مع العلم أنه لم يسأله عن وضع الكهرباء بالقطاع.

هل الكهرباء إله نموت لأجله؟
"نحن نعيش اليوم فيما يمكن أن يعد أفضل العصور على مر التاريخ البشري". الغزيون مختلفون عن البشرية وحتى عن الفلسطينيين أنفسهم، يتأقلمون بكفاءة ويحققون أحلامهم بسرعة لأنهم بسطاء مرنيين. معدل عدد الأطفال الذين يموتون بسبب الكهرباء وغالبيتهم حرقاً وبعضهم صدمةً كهربائية من 4-5 أطفال سنوياً، معظمهم قتلوا بسبب نزول آخر قطرة شمعةً بقطعة قماش! حتى تفاصيل الموت لدينا بسيطة جداً، ومن أكثر الأمور التي لا يستطيع أي دين تفسيرها قدرياً أن هناك عائلة بأكملها مكونة من 6 أشخاص في نهاية يناير عام 2013 حُرقت بالكامل.
 

فلتتخيل بأنك في أول يوم بالأسبوع ومستعد لدوامك بشكل كلي كونك خرجت من إجازتك مستمتعاً، كالعادة الكهرباء منقطعة صباحاً لن تستطيع الاستحمام بشكل تام، ولا حتى تمشيط شعرك بالشكل الذي تحبه، وبكل اشمئزاز ترتدي قميصك "المجعلك"، وكذلك أطفالك الذين يستيقظون لمدارسهم صباحاً ويتفاجئون بوجود الكهرباء ثم تأتيهم لوعة تفكير فيحزنون؛ بمجرد خروجهم من مدارسهم يدركون بأن الكهرباء قطعت وأن عليهم الانتظار للغد.
 

معدل الأيام التي يعشيها الإنسان في العام الواحد بغزة ما يقارب 123 يوماً بالكهرباء أي أنه عاش ما يقارب 5808 ساعة سنوياً بينما البشرية الأخرى 8760 ساعة سنوياً. بكل وقت تدعي "يا رب تيجي الكهرب" أو "يقطع إيده يلي قطع الكهرب"، وغيرها من الأمور التي أصبحنا نرددها من غير التفكير بها أصلاً وأساساً؛ أصبحت مخزناً في العقل الواعي والغير واعٍ، كما إنه يتحايل على شعباً بمبررات ليس لها أي صحة ولا حقيقة حول انقطاع التيار الكهربائي.

الآن أصبحت هِتافات المتظاهرين "بدنا الكهرب"، وذهب حقنا بسبب أطماعنا تجاه طاعتنا للكهرباء ثم يأتي أحد قادة "التحرير" قائلاً هكذا يريد أن يفعل بنا الاحتلال التفكير لا بالأقصى فقط بالكهرباء، ونحنُ نعلم أن نسبة الخطوط الإسرائيلية الي تزود قطاع غزة بالكهرباء هي الأعلى، وأيضاً عندما يسألنا أجنبي ما عن وضع القطاع دائماً يصدر الرد الأولي "ما في كهرب عنا دايما قاطعة" مع العلم أنه لم يسأله عن وضع الكهرباء بالقطاع. كل هذه الفوضى الغير منتظمة جعلت الكهرباء للغزيين كعقيدة ودين وإلهة جديدة، لقد صنعت لأجل خدمة الإنسان ولكن بقطاع غزة صُنعت لغسيل الأموال وللتحكم بالبشر!

لقد سئم أهالي قطاع غزة من كل القضايا من مصالحة إلى معابر إلى عدم تواجد فرص عمل إلى حقهم في الحياة، وكله يرجع بشكلاً مبرهناً إلى قيادتهم "العطرة".

إشكالية وهشاشة موضوع الكهرباء:
أصبح سؤال المواطنين الغزيين حول "متى سيتم إصلاح التيار الكهربائي في القطاع؟"، كالسؤال العميق "بالبحث عن الوجود وما هو"، سؤالٌ يتكرر وإجابةٌ تتطور مع مرور الزمن؛ بحيث أصبحت معطيات انقطاع الكهرباء على عدة أشكال منها الانقطاع بسبب وصول وفد خارجي لزيارة غزة وإظهار الجانب الفقير لها، ومنها الانقطاع بسبب الضرائب، ومنها الانقطاع بسبب نقص الوقود وعدم كفايته، وغيرها.
 

وهذا عبارة عن هراءات بالنسبة لأهالي القطاع! كونَ أن الأزمة مرت لـ 10 سنوات وعلّمتهم درساً قاسياً، ولن توجد شفافية بالأمر لا حاضراً ولا مستقبلاً. كما أنه تم إنتاج بنك كامل من الأفكار التي تستطيع إنتاج الكهرباء لسنوات ضوئية، لكنّ هناك أمور أهم من حقوق الشعب أنه يتحلى بالمسؤولية.
 

الأمنية العظمى:
كل ما جاء في المقال من دراسةً مستفيضة هي عبارة عن فيض اليأس المتأبد ونشوة الحرمان المتواصل، وأننا وصلنا إلى التفكير بعدم إنجاب أطفال هنا بسبب الحياة المشؤومة، وصحيح بأننا صنعنا أدوات تعمل على إنتاج الكهرباء، ولكن لما أنا محتم عليّ شراء تلك الأدوات! علماً بأنني ملتزم بالدفع الكهرباء شهرياً.
 

لقد سئم أهالي قطاع غزة من كل القضايا من مصالحة إلى معابر إلى عدم تواجد فرص عمل إلى حقهم في الحياة، وكله يرجع بشكلاً مبرهناً إلى قيادتهم "العطرة"، والأمنية العظمى لهم بعد أن يصلوا إلى ما وراء المسؤولية هو "قتـل القيادة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.