شعار قسم مدونات

لعنة "لو"

blogs - كلمة وقت
لو أننا نملك أن نعيد عجلة الزمن إلى الوراء، لو أننا أصبحنا قادرين على تجاوز تلك البقعة المظلمة من التاريخ، لو، ولو، ولو…. ألف لو وألف خاطرة قد تجول في رأسك، فقط إن استطعت أن تتحكم بهذا اللعين المسمى بالوقت، هذا الذي يبدو أننا ما ذقنا منه غير علقمه! هذا الذي سبقنا وأصبحنا نلهث وراءه بكل ما أوتينا من قوة، وبالكاد أوهمنا أنفسنا بأننا وصلنا متأخرين ونحن على الحقيقة لم نصل.

ربما أصبح لهاثنا هذا غاية في حد ذاته، وأننا لم نعد قادرين على أن نميز هدفنا أو على الأقل أن نتحسس إليه الطريق، لقد صرنا كأشباه أحياء نقتات على ما مضى ولم نعشه، حتى ما يسمونه الأمل يبدو أنه قد ضل طريقه عنا هو الآخر، وأننا قد تركنا لنواجه المجهول بصدور عارية، وأجساد بالية أضناها ما مرت به من نوازل!

وإني لأعجب ما الذي جرنا إلى هذه الدائرة المغلقة، من الذي قيدنا بها حتى صرنا عبيدا نساق؟! أهي أحلامنا الواهية التي نسجناها من تصور واقع أوهن من بيت العنكبوت؟! يا إلهي كم كنا حالمين، كم كنا بعيدين كل البعد عن الواقع.. كنا كطائر يضرب في قلب العاصفة الهوجاء بجناحيه الضعيفين لا يكاد يغادر محله، بل ربما تدفعه الرياح إلى الخلف..

هم قد اختلفوا، منهم من استفاق متأخرا، ومنهم ومن استمر في هروبه الذي بدأه واستحل دماء البريء ووافق على سفكها، وها هو الزمان يعيد دورته الخالدة، ونحن ندور فيها دون حتى أن نتمرد عليه!

هذا الطائر المسكين لم يكن بيده شيء.. لم يملك من القدرة ما يمكنه من الوقوف أمامها.. ولكنه ظل يحاول ويحاول عابثا، ولم يقنع حتى بأن يغير مساره متفاديًا تلك التي جاءت تطلب موته وتحطم عشه وتقتلع الشجرة التي ثبته عليها من مكانها..

آه كم استُنزف متوهمًا أنه بذلك يناضل، أنه هو المقاتل الأخير الصامد، أنه هو الفتى الذي لم يأت مثله ولن يقوى أحد على فعل شيء غيره! ربما قد جنى على نفسه هذا الضعيف البالي.. لو أنه أدرك من البداية أنه لن يقدر على المجابهة، لو أنه تأمل من فروا قبله!

الفارون.. هؤلاء الذين تركوا تلك العاصفة تأخذ مسارها واتقوها، وإن كان قيل فيهم ما قيل فقد نجوا بحياتهم، نجوا بأحلامهم، نجوا بأقل القليل، ولكنهم بقوا على قيد الحياة.. ماذا لو كانوا هم أيضا نسجوا على هذا الهروب أحلامًا لم يكونوا قادرين على إنفاذها.. أم أنهم قنعوا بقليل قريب أكثر واقعية ولم ينقادوا خلف ما توهمه أحدهم من قوة… يا لهذا الصغير الضعيف وما فعله، لقد كان مثالا، لقد كان رمزا، لو أنهم توحدوا خلفه وحذوا حذوه! لو أنهم أدركوا قوتهم إذا ما اجتمعوا.. ولكنها الفرقة الحمقاء ساقتهم…

لهاثهم وراء عرض زائل غرهم بحياتهم الدنيا وتناسوا أن من ورائهم عاصفة لا تبقي ولا تذر، وتناسوا أن العاصفة لن تدعهم يمروا بسلام، ستبدأ بمن قاوم منهم ثم تنتهي بهم، ولكن بماذا تفيد الكلمات الآن وقد تجاوزه وتجاوزهم الزمان وما عاد لهم ولا له رجعة، فهو قد كتب في عداد الشهداء أو المفقودين وهم قد اختلفوا، فمنهم من استفاق، ولكن متأخرا، ومنهم ومن استمر في هروبه الذي بدأه واستحل دماء البريء ووافق على سفكها، وها هو الزمان يعيد علينا وعليهم دورته الخالدة، وها نحن ندور فيها دون أن نتعلم أو حتى نتمرد عليه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.