شعار قسم مدونات

كذبة كبرى اسمها السلام!

blogs-صرخات الشعوب
منذ الأزل وأهل الأرض في صراع وتدافع مستمر، لا تكاد تخمد نيران الحروب والمعارك في مكان حتى تشتعل في مكان آخر، ولا يكاد ينعم بالأمن والسلام شعب، ويحقق شيئا من التقدم والرقي الحضاري، ويسجل لنفسه حضورا في التاريخ بما يحققه من رقي وتقدم وتطور في المجال العمراني والعلمي والاجتماعي، حتى يتهاوى ذلك كله ويعود للحضيض ويغرق في وحل الحروب والصراعات، ويظل لسنوات طويلة أسيرا في مستنقع الدمار والخوف والاضطرابات؛ فمتى قد عرفت الأرض سلاما حقيقيا لنتحدث عن أن سلاما ما قد حدث ذات يوم على وجه هذه الأرض؟!

إن ما يسمى بالسلام ليس إلا كذبة كبرى، فهذه الأرض لم تعرف سلاما حقيقيا قط منذ الأزل؛ فأهلها في صراعات مستمرة وحروب دائمة وإن السائد على مر العصور والدهور، والمهيمن فيها هي الحروب على حساب السلام، وإن ما سمي على مر التاريخ بالسلام لم يكن إلا سلاما شكليا مزيفا، فهو لا يتعدى كونه مفروضا من جماعات أو طوائف أو شعوب على حساب سلام جماعات وطوائف وشعوب أخرى، يحدث في ظله ظلم كبير وسحق وحشي لحقوق وحريات وكرامة أناس آخرين، ما يعزز من شعور الظلم والقهر لديها لتشتعل لديها رغبة جامحة في الانتقام والانتصار وتكون لنفسها خلفيه فكريه لقضيتها لتبدأ بتجميع نفسها ورص صفوفها حول قضيتها ومظلوميتها، فتنمو بذور حروب جديدة وينتج ذلك سقوط ذلك السلام الزائف، ليحل بديلا عنه سلاما زائفا آخر!

ما نريده أيضا هو أن تسمى المسميات باسمها فتسمى الحرب حربا ويسمى العدو عدوا، وأن يدع هذا العالم النفاق والخداع فقد بات كل شيء جليا ولم يعد من المجدي اللعب من تحت الطاولة.

في عصرنا الحديث استغل اسم السلام ودعاوى السلام العالمي لأغراض غير سلمية، وفي كثير من الأحيان. إذ إن كل المنظمات والهيئات الدولية المهتمة بالسلام، لم تقدم شيئا يذكر لتحقيق السلام، بل إنها وقفت مواقف واهية ومخزية من الصراعات والحروب الدائرة في العالم. هذا إذا لم تكن أصلا أنشأت ليتم استخدامها كغطاء لدعاة الحروب في العالم، ولتمرر مشاريعهم بطرق قانونية بحيث لا يتعدى دورها أن تضع مكياجا جميلا يخفي الوجه القبيح لكثير من الحروب لتظهر وكأنها حروب من أجل الانتصار للشعوب وتحريرها من ظلم وجبروت الطواغيت، بينما هي في حقيقتها حروب عدوانية ظالمة لا يرى أصحابها لكرامة الشعوب وحقوقها وحرياتها أي قيمة ولا يقيمون لها أي معيار مقارنة بمصالحهم العسكرية والاقتصادية وهيمنتهم السياسية وترسيخ نفوذهم على العالم ولو على حساب حقوق وحريات وكرامة كل شعوب الأرض عداهم.

لقد نشدنا ـ نحن العرب ـ السلام طويلا ولهثنا وراءه، لكننا لم نرَ نموذجا واحدا للسلام العالمي أنجزه لنا هذا العالم الذي يدعي السلام والحقوق والحريات، لا يوجد حتى نموذج واحد حققوا فيه سلاما لشعب وانتصروا فيه لمظلوم أو أغاثوا فيه وطنا من بؤس الصراعات أو أخمدوا فيه سعير الحروب ووقفوا بوجه الطغاة المستبدين في صف المستضعفين المسحوقين.

لم يسبق في التاريخ أن رأينا ما رأيناه في هذه العصور، من تطور أدوات الإجرام والحرب، والإرهاب والتدمير، ولم يسبق أن سمعنا عن إسراف في قتل الأبرياء، وامتهان لكرامة الإنسان كما يحدث في عصرنا رغم التشدق بالسلام، وحقوق الإنسان، إلا أن العالم اليوم أكثر تواطؤ وهو يشاهد الظلم والإجرام، الصورة بأدق تفاصيلها دون أن يحرك ساكنا.

في عالم اليوم ليس علينا كعرب أن نبحث عن السلام فهو شبه مستحيل، ما علينا البحث عنه فقط هو عالم أقل ظلما ووحشية، ما نريده اليوم هو أن لا يترك هذا العالم أخلاق الحروب، وقيم الصراع وهو يمعن في القتل والإجرام، ما نريده أيضا هو أن تسمى المسميات باسمها فتسمى الحرب حربا ويسمى العدو عدوا، وأن يدع هذا العالم النفاق والخداع فقد بات كل شيء جليا ولم يعد من المجدي اللعب من تحت الطاولة والتستر خلف قناع السلام الزائف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.