شعار قسم مدونات

فلنستح من الدّعاء

blogs- الدعاء

أليس لكلّ عبادةٍ فروضاً وسنناً وآداباً وتفاصيل وخطوات؟ ألم يقل ﷺ: الدّعاء هو العبادة؟ لماذا تمّ استثناء الدعاء من كلّ ذلك إذاً؟! هل من المناسب أن ندعو أيّ دعاء في أيّ زمان وأيّ مكان؟
 

– ربّ قائلٍ ليس هناك ما يجدي نفعاً لإنقاذ أهلنا في سوريا.. ولا حتّى الدّعاء!!
– ربّ قائلٍ ما بالنا ندعو ليل نهار ولا يستجاب لنا، بل ونزداد بلاءً على بلاء.
– ألم يقل اللّه في كتابه الكريم: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ.
– ألم يقل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.
– بل ويصل الحال ببعضهم -معذوراً ربما- للجهر قائلاً: "إمّا أنّ اللّه لم يعد يسمعنا أو أنّه خلق الكون وتركنا نتخبّط فيه دون أن يتدخّل" تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيرا.
 

ماذا عن: اتّق دعوة المظلوم، فإنّها ليس بينها وبين اللّه حجاب؟ صحيح، ليس بينها وبين اللّه حجاب، ولكن من قال أنّ الإجابة ستكون على الكيف وفي الوقت الذي أراد هو أو أردت أنت؟!

أسئلةٌ كثيرةٌ من هذا القبيل دون جوابٍ شافٍ بل أجزم غير مبالغ أنّ الكثير من الدّعاة والعلماء اليوم هم من أكثر من يزيد الهوة بين المسلمين والدّعاء ويدفعون الشّباب الغارق في اليأس إلى الإلحاد -أو الشكّ على أقلّ تقدير- من حيث دروا أم لم يدروا بتحميلهم الدّعاء ما لا يحتمل فيزهد النّاس فيه.
 

لنلقي نظرة إلى سنة رسول اللّه ﷺ وكيف تعامل مع الدّعاء في الأزمات علّنا نصل إلى أجوبة أسئلتنا:
في البخاري عن خبّاب بن الأرتّ قال "شكونا إلى رسول اللّه ﷺ وهو متوسّدٌ بردةً له في ظلّ الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا.. ألا تدعو اللّه لنا، قال كان الرّجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشقّ باثنتين وما يصدّه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصدّه ذلك عن دينه، واللّه ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللّه أو الذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون".
 

أوّل ما يفهم من الحديث هو تثبيت رسول الله للمسلمين وحثّهم على الصّبر والتمسّك بدينهم وتبشيرهم بالنّصر والفتوحات.. لكن إذا أمعنّا النّظر ثانيةً وجدنا أنّ المصطفى ﷺ لم يدع لهم!! رفضُ رسول الله ﷺ للدّعاء في ذلك الموقف هو لزرع الدّعاء الصّحيح في نفوس الصّحابة مخافة أن يتسلّل الفهم المغلوط إلى قلوبهم كما هو حاصلٌ معنا اليوم.
 

وكأنّي أسمع حواراً خفياً بلسان الحال دار بين خبّاب ورسول اللّه ﷺ:
– ولكن يا رسول الله إنّا قومٌ مؤمنون ثابتون على الحقّ أليس الأولى أن تكون الغلبة لنا، لماذا نعذّب ونقتّل، ألسنا خيرة خلق الله على أرضه، ألسنا أصحابك!!
– يا خبّاب لدينا خطّة نسير عليها، وهناك سنن للّه لا نحيد عنها ولا يمكن القفز عليها حتّى ولو كنتم أصحابي وكنت رسول اللّه وخاتم النبيّين.
– يا خبّاب إن دعوت الله لكم فقد يخفّف عنكم اليوم وننتهي كلّنا غداً.
– يا خبّاب إنّ صبراً مع فهمٍ صحيحٍ خيرٌ من رخاء في طريقٍ خاطئ.
– يا خبّاب إن الدعاء ليس حيلة المتواكل بل هو سند العامل.
 

كلّنا يعلم أن الأخذ بالأسباب واجبٌ حتميٌّ بل ونحفظ أدلّةً كثيرةً على ذلك من السّنة وسير الصّحابة:
-اذهب فاحتطب
-أعنّي على نفسك بكثرة السجود. 
-السّماء لا تمطر ذهبا ولا فضّة..

لا نصر بدعاء الأئمّة على المنابر دون عمل، لا نصر بدعاء المتعاطفين في بيوتهم مع الشّهداء والمظلومين دون تحرّك، بل ولا نصر حتّى بدعاء مجاهدين تركوا الأخذ بالأسباب.

ولكن حينما نصل إلى الكارثة بمحيدنا عن السّنن، نتناسى أخطاءنا وانحرافنا وعدم أخذنا بالأسباب التي أمرنا بها ونجأر إلى الله داعين ظاهراً لائمين ممتعضين باطناً ممّا بيّنه لنا ابتداءً: متى نصر الله!! يا رب نصرك الذي وعدت !!أليس الأحرى بنا في لحظة كهذه أن ندعوا اللّه أن يغفر لنا تقصيرنا ويلهمنا رشدنا ويهيّئ لنا أسباب النّصر؟! بل واللّه حريّ بنا أن نستحي من دعاءٍ كهذا بعد كلّ ما اتقترفته أيدينا.
 

روى مسلمٌ في صحيحه من حديث عمر بن الخطّاب قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر رسول اللّه ﷺ إلى المشركين، وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبيّ الله ﷺ القبلة، ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: "اللهمّ أنجز لي ما وعدّتني، اللهمّ آت ما وعدّتني، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" فما زال يهتف بربّه مادّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.
 

جهّز رسول الله ﷺ الجيش ورصّ الصّفوف ورفع المعنويات وثبّت النفّوس.. ثمَ التجأ لله تعالى بأن قد نفذّت ما أمرتني فأنجز لي ما وعدّتني .فجاء الجواب "فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ" هل هناك أبسط من هكذا معادلة؟!
 

وكما أوضح الدكتور أحمد خيري العمري في تعليقه على الآية الكريمة "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" بأنّ الله شرط إجابة الدّاع باستجابته لأوامره وهو ما يغفل عنه كثير ممن يقرؤون الآية بشطرها الأوّل غافلين عن الشّطر الثاني.
 

– ما دمنا مأمورين بالأخذ بالأسباب كما يأخذ بها عدوّنا فما فائدة الدّعاء إذاً وأين تأييد الله لنا كمسلمين؟
– وهل أخذنا عشر معشار ما أمرنا به من أسباب وسلكنا الطّريق الصّحيح واتّبعنا سنن اللّه في كونه ثم رأينا غياب معيّته!

كأنّه سبحانه يُتذكّر فجأةً عند حاجتنا إليه فنطلب منه ما نريد ليحقّقه لنا بالشّكل الذي نريد ثم نعود إلى حياتنا بعيداً عنه، ألم يقل رسول اللّه ﷺ "احفظ اللّه يحفظك.. اعرف اللّه في الرخاء يعرفك في الشّدّة".

معيّة الله تظهر جليّةً ما دمنا على طريقه وهديه واتّباع سنّته، أمّا وقد حدنا عن ذلك كلّه فلا نجاة من الابتلاء والمصائب فإمّا أن نؤوب وإمّا أن نُّستبدل ليجيء من يفهم ذلك كلّه، وفي حالٍ كهذه يجب ألّا ننتظر أكثر من تخفيف العقوبة من الرّحمن.
 

ألا فلنعلم :لا نصر بدعاء الأئمّة على المنابر دون عمل، لا نصر بدعاء المتعاطفين في بيوتهم مع الشّهداء والمظلومين دون تحرّك، بل ولا نصر حتّى بدعاء مجاهدين تركوا الأخذ بالأسباب.
 

-وماذا عن: اتّق دعوة المظلوم، فإنّها ليس بينها وبين اللّه حجاب؟
صحيح، ليس بينها وبين اللّه حجاب، ولكن من قال أنّ الإجابة ستكون على الكيف وفي الوقت الذي أراد هو أو أردت أنت؟! ربّما يخفّف الله عنه آلامه وربّما يتلطّف به بالابتلاء وربّما يدّخر له دعائه وصبره فيجزيه به خيراً في الآخرة وربّما ينتقم من ظالمه في الدنيا أو يؤخّر عقابه للآخرة، الملك والتدبير والحكمة له وحده، ومن قال أنّ الدّنيا هي دار عدلٍ بالأساس؟!
 

وكأنّه سبحانه يُتذكّر فجأةً عند حاجتنا إليه فنطلب منه ما نريد ليحقّقه لنا بالشّكل الذي نريد ثم نعود إلى حياتنا بعيداً عنه، ألم يقل رسول اللّه ﷺ "احفظ اللّه يحفظك.. اعرف اللّه في الرخاء يعرفك في الشّدّة". هي دعوةٌ للعودة إلى عبادة الدّعاء -بشكلها الصّحيح والتمسّك بها وبأسبابها- وتنقيتها ممّا علق بها من المغالطات وليس الزّهد بها. ردّنا اللّهمّ إلى دينك ردّاً جميلا

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.