شعار قسم مدونات

"اللي مالو بالة مالو عيد"

blogs - ملابس
تعتبر البالة في أي دولة المصدر الأساسي الذي يؤمن الطبقات المتوسطة والفقيرة بالاحتياجات الأساسية من الكساء وفي بعض الأحيان يعتبرها الأغنياء رفاهية في انتقاء أحذية عالية الجودة المصنعة من الجلد الإيطالي بأسعار خيالية لا تستطيع جيب المواطن دفع فاتورتها وبقيت فرحة العيد والعودة إلى المدارس وكسوة الصيف والشتاء معلقة بهذه الرحلة الترفيهية التي تدور رحاها في الأسواق التي تنتشر على امتداد البصر.
 

وقد حملت كل مصطبة خشبية الكثير من الملابس والكثير من هذه المصطبات اتخذت البسطات الأرضية عرضا لما لديها من مستوردات أوروبية من الجدير بالذكر أنه لم يكن في أواسط الثمانينيات محال تجارية بحد ذاتها تعرض في واجهاتها ملابس أوروبية لكن مع التطور الذي حصل في هذه التجارة وقلة المسيطرين من المستوردين مال الكثيرون إلى التجديد في العرض باستئجار محال تجارية ذات واجهات زجاجية ومنهم من جعل استثماره بما يسمى المول وهي المراكز التجارية التي تتميز بالضخامة وجعل له سلسة منها في أكثر منطقة جغرافية.
 

امتد أخطبوط الاستثمار إلى الألبسة الأوروبية التي اعتبرها المستثمر سوقا جديدة لاستغلال المواطن  دون الاهتمام بجيبه.

ومنذ بدأت هذه الحركة الاستثمارية بدأت المغالاة في التسعيرة التي يفرضها المستثمر وبذلك أصبح المواطن بين فكي الكماشة قدرته الشرائية القليلة التي لا تسمح له بحرية التصرف بميزانيته الشهرية والتي تتوزع بين المأكل والمشرب والمسكن أي بين غلاء المعيشة بتزايد أسعار المواد الغذائية وبخاصة الأساسية وما يسمى بحرب الغلاء والمطالبات المستمرة بزيادة أسعار الإيجارات أو رفع ضريبة الأبنية أو رفع رسوم المسقفات.
 

وناهيك عن الظروف السياسية التي يعانيها المواطن من جراء ازمة اللجوء التي رفعت أسعار العقارات وكل ما يرتبط بها ولم يتوقف مؤشر الغلاء عند هذا الحد بل تعداه إلى المغالاة برفع تسعيرة الكهرباء والماء والغاز والبنزين والزيادة الكبيرة بأسعار الملابس الجاهزة والتي تميز معظمها في حقبة التسعينيات بزيادة الاستيراد من الصين التي قامت بإغراق الأسواق ببضائعها المتنوعة والتي كان شعارها قلة الجودة وسرعة التلف والتي كان إنذارا بعدم بهبوط ذائق المستورد والتي ارتكزت على زيادة الربح بقلة التكلفة.
 

وعندما امتد أخطبوط الاستثمار إلى الألبسة الأوروبية التي اعتبرها المستثمر سوقا جديدة لاستغلال المواطن فكان المواطن في خارطة تميز فيها المشرع بتشريع حرية السياسات الممنوحة للمستثمر بالاعتماد على النظام الرأسمالي والسوق المفتوح دون الاهتمام بجيب المواطن الذي لم يصب بالتلف بل بالحرق ليس هذا وحسب بل وتنافس المسؤولون بممارسة رياضة جبي الأموال من المواطن لتغطية العجز التجاري واعتبر الرهان على الحصان الأسود في الصمود حتى النهاية مقامرة بين الاقتصاديين.
 

تحولت البالة من ملجأ للجيب الفقير إلى أسواق للنخبة وبقي المواطن من الطبقة المتوسطة المحروقة والفقيرة بعيدا عن المشهد بل بين شقي الرحى.

والغريب بالأمر أن هذا المواطن عليه ان يتحمل المديونية وتبعاتها العجز التجاري وتبعاته أزمة اللجوء وفاتورة الحروب وأيا من القضايا المحلية والعالمية ويكون هو نقطة الارتكاز في زيادة أسعار براميل النفط او انخفاضها وكما يعتبر دوما نقطة الرجوع التي يعتمد عليها أي تعديل أو تغيير في السياسية الاقتصادية.
 

 لم تعد البالة تلك الفسحة التي يفرح بها الأطفال والنساء والرجال في اقتناء كسوة كاملة بأسعار معتدلة تقريبا ولم تعد ذلك الملجأ الذي يبحث عنه صغار التجار في الاستثمار البسيط بعد ان ظهر نوع جديد من الاستغلاليين وهم الذين يقومون بفرز البالات قبل وصولها على الأسواق وبذلك يفرزون الألبسة والأحذية حسب نوعيتها قماشها ودرجة جودتها وبذلك توزع على التجار كل حسب قدرته الشرائية فكان التاجر القوي الذي يملك حافظة استثمارية كبيرة هو الأقدر على الاستحواذ على نصيب الأسد في المستوردات الأوروبية ذات الجودة العالية والأسعار العالية والمنافسة في السوق.
 

 وقد تحولت بذلك البالة من ملجأ للجيب الفقير إلى أسواق للنخبة وبقي المواطن من الطبقة المتوسطة المحروقة والفقيرة بعيدا عن المشهد بل بين شقي الرحى ومن يعرف على من سيراهن السياسيون في المستقبل غير البعيد بعد فناء الطبقات وانعدام القدرة الشرائية وقدرة التحمل للمواطن البسيط الذي لم يعد موضع رهان بقدر ما أصبح يتهيئ لأن يجهز لموعد وفاته من ضيق الدنيا إلى سعة الأخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.