شعار قسم مدونات

الحجاب.. حرية المرأة أم شخصيتها؟

blogs - hijab

أول ما يتبادر إلى ذهن الكثيرين عندما نتحدث عن الحرية، حرية المرأة، ولعل السبب وراء الانتشار الواسع لهذه العبارة، الحركات النسوية التي أخذت على عاتقها تسليط الضوء، ولنقل على مشاكل عانتها المرأة منذ القدم وتكتمت عنها، بحكم أن دورها كان التكفل بمختلف الأعمال المنزلية والإنجاب في المقابل يتولى الرجل الأعمال خارج المنزل وجلب الرزق، ورغم أن هذا التقسيم للأدوار وضع منذ عصور بدائية أين كان الرجل يخرج للصيد وتبقى هي لحماية الأطفال والمنزل بحد ذاته، إلا أنه تطور مع الزمن ليصبح من المسلمات، وهذا حسب دراسة للكاتبين ألان وباربارا بيز.

وبغض النظر عن تاريخه، كان هذا التقسيم للأدوار ساري المفعول إلى الحرب العالمية الثانية أين أدى النقص الفظيع في الرجال إلى خروج النسوة لطلب الرزق متخلين عن اللباس المعتاد متشبهين بالرجال، أين ظهرت موضة الشعر القصير والبناطيل الكلاسيكية، هذا التحول الجذري كان فرصة جعلت الكثيرات من النساء يخرجن إلى العمل بعد انتهاء الحروب حتى في وجود الزوج، بحكم أنهن أدركن قدرتهن على القيام بمهام الرجل والتفوق عليه فيها أيضا، واستمر الأمر إلى بداية ستينات القرن الماضي في أمريكا التي شهدت حركات نسوية وخروجا للمطالبة بحرية ومساواة المرأة بالرجل، لتظهر بعد ذلك لدى العرب والمسلمين وإن كانت هذه الثورة أكثر حداثة، وأكثر معارضة للأعراف والمجتمع منها للدين والقوانين.

الحجاب ليس معاكس النجاح أو الأناقة، ولا يشترط أن تكون المرأة غير محجبة لتدافع عن حقها؛ فالثقة ليس لها علاقة بما ترتدي، عندما تدرك المرأة هذا ستحرر ولو كانت تحت ألف غطاء.

وأخذت النسويات العربيات تصورن المرأة على أنها مضطهدة ومقهورة من طرف الرجل والدين، ما جعل صوتهن ينتشر كالنار في الهشيم أواسط المراهقات والشابات، فهن بالتالي المسؤول غير المباشر عن موجة نزع الحجاب التي سنتطرق إليها لاحقا..

ما أغفلته النسويات أنهن يدافعن عن أقليات المجتمع أو اللاتي نشأن في بيئة وبلد له من المشاكل وأخذ الحقوق اللاإنسانية ما عليه، من فقر وجهل وحروب ومجاعة، وجدر بالذكر أن نسبة زواج القاصرات في بعض الدول النامية تجاوزت 58٪ وترجع أساسا إلى فقر العائلات، جهلها ورغبتها في حياة أفضل لبناتها والتكاثر في ظل الحروب والفقر الذي أنهكها، فخلف كل سلوك سلبي نية إيجابية بحسب الهندسة النفسية. ولا يخفى على أي منا أن المشاكل التي تعانيها تلك الدول تجعلها تركض خلف حقوق الإنسان الأساسية جاعلة حقوق المرأة وحريتها في ذيل أولوياتها، فكيف تدافع عن حقها في اتباع أحلامها وحريتها وهي تقصف وتشرد، والمجاعة هتكت بها؟

بداية دعونا نتفق على مفهوم الحرية، فهذا المصطلح مثار للجدل بين الفلاسفة منذ الأزل، إننا نتمتع بحريتنا النسبية في إطار قوانين الدولة إلى قواعد المدارس والمجتمع والدين والأسرة، وهذا ما اتفقت عليه الجماعات لتحقيق نظام معين، بدل أن يضع كل شخص قوانينه الخاصة فتسود الفوضى، إن مصطلح حرية لم يعن بتاتا أن تفعل ما تشاء.

لذا بعيدا عن 2٪ من النساء اللاتي أجبرن على الزواج تحت السن القانونية، أو أجبرن على قرارات يرفضنها، وبغض النظر عن الأشخاص الذين يأخذون الآيات القرآنية بعيدا عن سياقها لخدمة مصالح شخصية، ما يعيق 98٪ من النساء ويمنعهن عن مواصلة أحلامهن، هن أنفسهن وقرارتهن فما الدين والمجتمع والرجل سوى غطاء لتبرير اختياراتها أو عدم قدرتها على اتخاذ قرارات، وأول تنازل أو قرار سيء تتخذه يجر خلفه العديد من الأخطاء والنتائج السلبية، حتى من تمكث في المنزل لم تفعل ذلك؛ لأن المجتمع أو الرجل أو الدين منعها.

الدين لم يمنع عمل المرأة وبإمكانها أن ترفض الرجل الذي يريد منها التوقف عن الدراسة أو العمل، فالزواج شراكة واتفاق قبل كل شيء _طبعا يوجد كثيرون غيره ممن يريدون من زوجاتهن أن يعملن_ وهي أيضا من اختارت ترك الدراسة، وكان قرارها السكوت عند التعرض للتحرش وهي تعلم أن القانون والشرع وحتى المجتمع يعاقب المتحرش، وهي التي ترتبط بشريك لا يحترمها ولا يقدرها فقط لكي لا يقال عنها عانس، وهي التي تبقى مع رجل سيء الخصال يسيء معاملتها ويضربها لكي لا يقال عنها مطلقة.

ونجد كذلك أن جل أسباب ظاهرة نزع الحجاب هي شخصية متعلقة بطريقة تفكير المرأة، لارتباطه في ذهنها بالتخلف وإعاقة المسار المهني، وهذا لضعف شخصيتها، ذلك لأن الصورة الذهنية السائدة عندها مرتبطة بمرتديات الحجاب وليس الحجاب بحد ذاته. ونرى أن غير المحجبة تعطي انطباعا بالاستقلالية والنجاح والأنوثة؛ وهذا لثقتها بنفسها وتركيزها على حياتها الشخصية.

رغم أن الحجاب ليس معاكس النجاح أو الأناقة، ولا يشترط أن تكون المرأة غير محجبة لتدافع عن حقها، تناقش وتشارك في الملتقيات والنوادي أو تقرأ كتبا وتكتب وتعبر عن رأيها، الثقة ليس لها علاقة بما ترتدي، عندما تدرك المرأة هذا ستحرر ولو كانت تحت ألف غطاء. فإضافة إلى كون تغطية الرأس رمز عفة في جميع الديانات، وكون جمال المرأة نابع من عنايتها بنفسها وثقتها وأناقتها وابتسامتها، يتيح اللباس المحتشم والحجاب للمرأة التقدم في مسارها المهني بتحريرها من نظرة الرجل لها كجسد فقط، والسبب واضح.

أما آن الأوان أن تتحرر المرأة من جهلها وضعف شخصيتها ونقص طموحها وخضوعها بإرادتها لمجتمع همه القيل والقال، قبل أن تفكر في نزع قطعة القماش التي فوق رأسها!

وأكثر ما يعيق المرأة أيضا، انصياعها دون تفكير لبعض مدعي التدين الذين يصبغون الدين بصبغة سياسية واجتماعية لخدمة مصالحهم، من عبارات رنانة وتلاعب بالكلمات والتفاسير ليثبتوا أن المرأة لا يجدر بها مغادرة البيت وأنها لا تصلح للإدارة.. الخ، بينما هذا لا يعبر طبعا عن الإسلام من قريب ولا من بعيد بل هو رأي المتطرفين، فلو قامت بقراءة الأحاديث الصحيحة والتفسيرات الحقيقية لكشفت المغالطات التي كبحوها بها باسم الدين.

إننا لا نعارض أوامر الشريعة و لسنا هنا لنقدم فتاوى بطبيعة الحال، ولكن التشدد المطلق في الشرع لخدمة آراء المجتمع والفهم الجزئي للدين يؤدي لحيادنا عن مقاصد الشرع ولجوء المرأة إلى قرارات متطرفة كنزع الحجاب كحل لهذا التشدد الذي يمسها بصفة أكبر من الرجل..

أما آن الأوان لتحرر المرأة من آراء الجاهلين بالدين وتعيد النظر في اعتقاداتها وما إذا كانت حقا تفهم الإسلام كمعتقد ودين متماسك وطريقة عيش بعيدا عن كونه مجموعة أوامر وضعها رجال لتقيدها أكثر، وأن تتحرر من جهلها وضعف شخصيتها ونقص طموحها وخضوعها بإرادتها لمجتمع همه القيل والقال، قبل أن تفكر في نزع قطعة القماش التي فوق رأسها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.