شعار قسم مدونات

ابتسامة الموناليزا ودموية الكنيسة

blogs- شيفرة دافنشي
أسرار تحكيها جثة.. ومسيحية مزيفة:

لأن تغوص بين سطور كتاب تجبر أن تحتضن كتابا بين يديك، تقلب أوراقه بأناملك وتتلمس كلماته بينما تقرأها، أما أن يجبرك كتاب PDF أن تعيش بين أحشائه ويخلق لنفسه أوراقا منقوشة حروفها في عقلك، فهذا يعني أنك تمتلك معجزة لا كتابا، يسحبك دان بروان من يدك في بداية الرواية ليدخلك أروقة متحف اللوفر في باريس في ليلة ظلماء تحمل أحداثا تقاس بالسنوات لا بالساعات، يوقفك أما لوحات دافنشي ويخلق في عينيك ألف لغز من وراء ابتسامة الموناليزا التي يتبين لك بعدها أنها خليط ما بين الهين اتخذ القدماء أحدهما رمزا للأنثى والآخر رمزا للرجولة ليدمج دافنشي ما بين "مون" و "ليزا" عامدا ساخرا من كل الأبصار المارة أمام لوحته الشهيرة .
 

رواية لا تقبل التلخيص، ففي كل سطر تفاجئك أسرار مدفونة، ومع كل حفنه كلمات أطنان من المفاجآت الصادمة.

ثم يدفعك نحو ممر مظلم ترقد في نهايته جثة لآخر انسان يحمل أسرار منظمة سرية كان دافنشي أحد مؤسسيها في يوم ما، يجبرك أن تقف أمام الجسد المتخذ شكل لوحة الرجل الفيتروفي لدافنشي لتخلق لغزا يستغرق حله الرواية بأكملها. يقضي أبطال الرواية ليلة مليئة بالأحداث، يحلون أكثر ألغاز العالم تعقيدا بينما تطاردهم الشرطة الفرنسية بتهمة خنق آخر أنفاس تلك الجثة التي ظلت رابضة في ممر مظلم في متحف اللوفر لتكمل الرواية بعيدا عن دمائها التي غطت تلك الأرضية الخشبية في الممر المملوءة جوانبه بالفخامة والرهبة في آن واحد، بينما يحاول الهاربان اللذين كان أحدهما حفيدة المقتول حل لغز الحلقة الأخيرة التي تركها جدها مع جسده الساكن .

تقفز ألبابنا ما بين السطور مع كل خطوة يسيرها أبطال القصة، لتكشف عن أسرار صادمة، تشعرك بأنك تحيا ضمن مؤامرة تصل إلى ملعقة طعامك ونقش ساعتك وتثبت لك في كل مرة أن لا شيء يأتي في هذا العالم صدفة. يأخذ الكاتب بأيدينا ليلقينا في شاحنة مسروقة يستقلها أبطال الرواية تنطلق في شوارع باريس لمظلمة، ثم ليدخل بنا قصرا بطابع انجليزي يقف شامخا في احدى ضواحي باريس، ليحكي لنا ساكنه عن حقائق مدفونة تفغر من أجلها الأفواه.

فالعهد الجديد الذي يتخذه المسيحيون مرجعهم، وضعه وكتبه وأشرف على كل حرف فيه الملك الوثني "قسطنطين" وهو ذاته الذي جعل من يوم الأحد يوما مسيحيا مقدسا فيوم الأحد أو «Sunday» بالإنجليزية ترجمته الحرفية هي "يوم الشمس" وهو ذات اليوم الذي يصلي فيه الوثنيون للشمس من كل أسبوع.
 

ينسف دان براون في روايته أسس المسيحية وكتابها وتعاليمها التي تعتمدها حتى يومنا هذا، بل ويكشف عما فعلته تلك الأخيرة بالديانات القديمة، وكيف قتلت وطاردت وأحرقت الكثيرين لأجل دفن كل ما يعارضها.

فالمسيحية اليوم هي خليط من المسيحية والوثنية، فآثار الوثنية في الدين المسيحي واضحة لا يمكن نكرانها،" أقراص الشمس المصرية أصبحت الهالات التي تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين " والرموز التصويرية لإيزيس وهي تحتضن ابنها الرضيع المعجزة حورس أصبحت صورة مريم العذراء اليوم وهي تحتضن المسيح"، هكذا لخص الكاتب "المسيحية الجديدة". أما الأدهى والأمر أن تكون "ألوهية" المسيح عيسى عليه السلام قد أوجدت كفكرة وتم التصويت عليها ليتم اعتمادها بعدما كانت الأصوات المؤيدة لها أكثر بشيء قليل من تلك المعارضة.

ينسف دان براون في روايته أسس المسيحية وكتابها وتعاليمها التي تعتمدها حتى يومنا هذا، بل ويكشف عما فعلته تلك الأخيرة بالديانات القديمة، وكيف قتلت وطاردت وأحرقت الكثيرين لأجل دفن كل ما يعارضها.

يخبرنا كيف ألبست الكنيسة تلك القبعة المدببة لساحرة شمطاء نرى صورتها في كل يوم من خلال برامج الأطفال وغيرها لتجعلها رمزا للشر بينما كانت سابقا ترمز للعجوز الحكيمة، ثم كيف زرعت تلك العصا ذات الرأس الثلاثي « رمح بوصيدون» في يد شيطان لتجعلها رمزا له للأبد، نجمة فينوس الدينية والتي كانت رمزا للكمال والطبيعة، وحتى أن النجمة نفسها كادت أن تكون الطابع الرسمي الأولمبي لولا أن تم تعديلها في اللحظة الأخيرة، والتي ترسم اليوم على كافة الطائرات الحربية كرمز للموت والحرب .كل ذلك في إطار محاربة ديانات لم توافق مبادئ الكنيسة ومعتقداتها.

بل الأدهى تمثل في خوض الكنيسة حملتها الشعواء على مدار ثلاثة قرون بهدف إعادة الأديان الوثنية التي تقدس الأنثى إلى جادة الصواب حسب ما يقولون، وكيف قامت بنشر أكثر الكتب دموية «مالوس مالفيكاروم» أو « مطرقة الساحرات» الذي لقن للعالم فكرة خطر النساء المتحررات، فكل عالمة ومحبة للطبيعة ومتصوفة كان يتم اعتبارها «ساحرة» وتعذب وتقتل بأشد الطرق وحشية، ليس هؤلاء فحسب، بل حتى القابلات اللواتي كن يستخدمن أعشابا طبية لتخفيف ألم الولادة على النساء كن يعذبن ويقتلن بوحشية ذلك أن ألم الولادة هو «حسب اعتقاد الكنيسة» هو عدالة إلهية فرضت على النساء كعقاب لهن على أكل تفاحه آدم ونشوء الخطيئة الأولى .
 

يحكي لنا الكاتب من خلال روايته كيف قامت المسيحية بدمج طوائف متعصبة بتعاليم مختلفة كل الاختلاف عما تعتمده هي من آراء ومعتقدات من أجل الدعم المالي والمادي فقط.  ثم يختم الكاتب روايته بوصول أقدم وأخطر أسرار البشرية منذ قرون إلى يد فتاة فرنسية في الثلاثين من عمرها، قضت أطول ليلة في حياتها تفك ألغازا تركها لها جدها وهو العضو الأخير في منظمة الأخوية العالمية التي أرقت الكثيرين عبر الزمن.

رواية لا تقبل التلخيص، ففي كل سطر تفاجئك أسرار مدفونة، ومع كل حفنه كلمات أطنان من المفاجآت الصادمة، وفي كل مرة تقرأ فيها سطور الرواية، تجد نفسك في العالم الحقيقي، العالم المليء بالمؤامرات والمتشدقين والكاذبين، تشعر نفسك تمسك بهم بجرمهم المشهود، وتكشف وجوههم السوداء التي خبئوها كثيرا خلف صلبانهم وابتسامات الوديعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.