شعار قسم مدونات

سيجار نتنياهو وثوب عمر

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu attends the weekly cabinet meeting at his office in Jerusalem January 8, 2017. REUTERS/Abir Sultan/Pool
عاش الكيان الصهيوني خلال الأيام الماضية وما زال على وقع استدعاء نتنياهو والتحقيق معه بتهم فساد، وتلقي هدايا من رجل أعمال يهودي، تتمثل في سيجار من نوع خاص أهدي له، وشمبانيا خاصة أهديت لزوجته، وبعض جلسات التحقيق استغرقت ثماني ساعات متواصلة مع نتنياهو.
 

ليس هنا الإشكال، بل الإشكال الذي وقع في نفسي، هو أين سيجار نتنياهو والهدايا التي تلقاها، مما يبلعه مسؤولونا العرب حكاما ووزراء وحكومات، من النفط وغيره من موارد دولنا من المعادن والثروات، ومن مقدرات الدولة، من غير رقيب ولا حسيب، بل ولا حتى همس جاد، أو تفكير بهمس جاد، للمطالبة بمحاسبة مسؤول، أو مدير، اما محاسبة الوزير ورئيس الوزراء فتلك مهمة دونها خرط القتاد وحزّ الحلاقيم، وكفيلة بحل أي مجلس نواب وتغيير الخارطة السياسية، وتجهيز التهم والمحاكم، وفتح الملفات وتشغيل دوائر المدعي العام، ليس لمحاسبة الوزير أو رئيس الوزراء، بل لإسكات من حدثته نفسه باتهام معاليه أو دولته، أما إذا تعلق حديث النفس بسؤال الحاكم أو أحد أفراد العائلة الحاكمة، فما وراء الشمس هو المكان اللائق بمن تسول له نفسه بالسؤال أو التلميح، فضلا عن الشكوى والاتهام، فضلا عن التحقيق، فضلا عن الجلوس أمام المحقق ثماني ساعات أو ثماني دقائق. يا ويحنا.
 

أمتنا تحتاج إلى من يحاسب ومن يحاسَب-على غرار سيجار نتنياهو-وقبل ذلك إلى عمر وابن أم عبد لعله يعود لنا مجد أضعناه.

وقبل أن تذهبوا بعيدا فأنا هنا لا أود أن أعبر إعجابي بما عند نتنياهو وكيانه الغاصب، من القانون واحترام النظام، وخضوع الجميع للقانون، وعدم جواز استثمار الموقع والسلطة لتحقيق المكاسب الشخصية، لا أود ذلك مع أن إبداء الإعجاب بما عند الكفار مقبول، فقد أبدى النبي صلى الله عليه وسلم إعجابه بحلف الفضول، الذي كان يعقده المشركون لنصرة المظلوم، وقال: لو دعيت إليه لأجبت. لا أود ذلك بقدر ما أود أن أعبر عن حسرتي مما نحن فيه، من فساد، وهدر أموال، وسرقات، حتى أصبحت الدول ونفطها وثرواتها، وكل ما فيه مزارع وممتلكات لصاحب الجلالة، أو فخامة الرئيس، أو سمو الأمير، أو صاحب الفخامة، أو أي من نسله وذريته، حتى لو كان جنينا في بطن أمه، مما جعل الكلام في الهدايا أمرا تافها لا يستحق الحديث عنه.
 

حقاً ما أجمل العدل وما أعظمه، والعدل أساس الملك فعلاً، مع أن العدل في ديننا مطلوب ليس فقط بين المسلمين أنفسهم، وإنما بين الناس، وهذا أحد أهم عناوين أداء الأمانة "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" النساء 58.
 

ورحم الله أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ قام في الناس خطيبا فقال: اسمعوا أطيعوا، فوقف ابن مسعود رضي الله عنه وقال له: لا سمع ولا طاعة. قال: وفيم يا ابن أم عبد؟ فبدأ يحاسبه، على الأثواب اليمانية التي وصلت المدينة وقسمت بين المسلمين، وكان نصيب عمر لا يكفيه، فكيف به يلبس ثوبا كاملا من تلك الأثواب، فقبل عمر رضي الله عنه الحساب، وهيأ الجواب، دون أن يجيِّش الجيوش، ودون أن يستنفر القضاء، ولا الادعاء، ولا يلفق التهم بالخروج على ولي الأمر، والانقلاب على الشرعية، ولا يطيح براس ابن مسعود بسيفه-الذي لطالما لوح به ابن الخطاب قبل أن يكون خليفة وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم- أقول هيأ عمر الجواب وقال: أجبه يا ابن الخطاب، فقام ابن عمر رضي الله عنهما وأعلن أمام الصحابة أنه أعطى حصته من الثوب لأبيه يكمل بها ثوبه. قال ابن مسعود: أما الآن فسمع وطاعة. هل ثمة حاجة أن نؤكد أننا نمتلك في ديننا وثقافتنا الإسلامية ما سبق ما عند نتنياهو؟

لكنني لا أتردد في أن أمتنا تحتاج إلى من يحاسب ومن يحاسَب-على غرار سيجار نتنياهو-وقبل ذلك إلى عمر وابن أم عبد لعله يعود لنا مجد أضعناه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.