شعار قسم مدونات

هل سمِعَ الجزائريون عن سينما عامودا

blogs - algeria

هو التاريخُ هكذا، إما ينصف أو يظلم
منذُ اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر عام 1954، سرعان ما تعاطفت الشعوب مع ثورة التحرير، فقد طال عمر الظلم على الجزائريين، وكان الشعب السوري حاضراً وبقوة في دعم ثورة التحرير بطرق عدة، وكان من بين الطرق جمع التبرعات وإرسالها إلى الجزائر، وهناك العديد من الأعمال الدرامية السورية التي جسدت دور الشعب السوري في تلك الحقبة من الزمن، ولا يحضرني الآن سوى مسلسل "تمر حنة" التي قامت بدور البطولة الممثلة السورية مرح جبر إلى جانب الجميل سامر المصري والعملاق الراحل خالد تاجا.
 

في يوم 13 من شهر نوفمبر عام 1960، كان الطلبة في مدرسة الغزالي الابتدائية في مدينة عامودا الكردية يتحضرون للذهاب إلى سينما شهرزاد حتى يتفرجوا على فيلم جريمة في منتصف الليل، من بطولة الممثل المصري محمود المليجي، دعماً للثورة الجزائرية، كيف لا وقد قضى الشعب السوري عامةً والكردي خاصة حروباً لنيل الحرية المنشودة، إن الاحتلال الذي كان في الجزائر هو نفسه هزم وخرج عام 1946 من سوريا مهزوماً، لتنال سوريا استقلالها بكل شرف، وأما الكرد فنحتاج إلى مجلدات لنتكلم عن ثورات الشعب الكردي في سبيل نيل الحرية والعيش بكرامة ومساواة مع باقي الشعوب.
 

هكذا هو الظالم لا يفرق بين صغير وكبير، بين بريء ومذنب، كانت عامودا تستعد يومها لدعم ثورة تبعد عنها آلاف الكيلو مترات، وجدت نفسها فجأةً إنها بحاجة إلى من يزيل اللون الأسود عن جدار فنها.

أحاول جاهداً أن أتخيل مشاعر الفتية عندما قررت إدارة المدرسة أخذ الطلبة إلى السينما لهذه الغاية النبيلة، أحاول جاهداً أن أتخيل فرحتهم وهم ذاهبون إلى السينما، هذا الشيء الغريب، هذا الدخيل الغريب على مجتمعهم. هل كان الأطفال يحاولون استحضار مشاهد الفيلم، هل كانوا يتحدثون عنها، هل كانوا يدركون أنهم سيصبحون أحد أبطال هذا الفيلم، هل فكروا باسم الفيلم قليلاً وتخيلوا ماذا يعني جريمة في منتصف الليل.
 

في ذاك اليوم المشؤوم تحولت عامودا إلى بيتٍ كبير للعزاء، عويل وصرخات الأمهات عانق السماء، ولكن لم تتجاوز تلك الصرخات جغرافية مدينة عامودا، واعتقد جازماً بعد مرور 56 عاماً على تلك الحادثة، لم يسمع الجزائريون ولا العرب بمدينة عامودا أساساً، مدينة صعد منها إلى السماء 283 ملاكاً من بين 500 طفل كردياً كانوا يحضرون فيلماً دعماً لثورة من ثورات الأمة العربية.
 

أما عن أسطورة عامودا وبطلها، فقد خسرت المدينة بطلاً وطنياً يدعى محمد سعيد آغا الدقوري منقذ الأطفال، ومنذ ذاك التاريخ يُطلق على هذه المدينة أسم عامودا بافي محمد، أي أبو محمد، تقديراً لذلك البطل الذي بدأ بإجلاء الأطفال مخاطراً بحياته قبل أن يقع عليه باب السينما، كيف لا وهو ابن الثائر سعيد آغا الدقور، المناهض للانتداب الفرنسي وأحد أبرز أعضاء الكتلة الوطنية. منذ ذاك الوقت وأبناء المدينة في كل عام يخلدون ذكرى شهدائهم، وتم تدشين حديقة في مكان السينما وتم وضع تمثال عبارة عن مجسم يجسد مشهد إنقاذ محمد سعيد آغا الدقوري للأطفال على ظهره.
 

هكذا هو الظالم لا يفرق بين صغير وكبير، بين بريء ومذنب، كانت عامودا تستعد يومها لدعم ثورة تبعد عنها ألاف الكيلو مترات، وجدت نفسها فجأةً إنها بحاجة إلى من يزيل اللون الأسود عن جدار فنها، وعن جدار القلوب التي تفحمت ألمً، فهل تدرك الجزائر هذا الكلام. 283 طفلاً، كانوا مشروعاً لنهضة المدينة، ومشروعاً ثقافياً للشعب الكردي، وقادة ربما كانوا سيقودون اليوم الثورة السورية.
 

هل يدرك الجزائريون، أن هؤلاء الأطفال ماتوا حرقاً لأنهم أكراداً يحبون الحرية، وأن المجرمين هم قادة الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، نعم وقتها كانت سوريا ومصر دولة واحدة تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة يقودها جمال عبد الناصر، كانوا قوميين إلى درجة أقصاء باقي مكونات الغير عربية.
 

قبل 5 أشهر من حادثة حريق سينما عامودا، خرجت مظاهرة في مدينة عامودا رفع البعض ممن شاركوا في هذه المظاهرة شعارات تدعم ثورة الملا مصطفى البرزاني في كردستان العراق، حتى أتى إلى المنطقة القائد الإقليمي أمين حافظ الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية السورية وقتها، وهدد أهالي المدينة بأن ما فعلوه لن يمر مرور الكرام، وبعد 5 أشهر من تهديده هذا، حدث الحريق الذي حرق معه قلوب عشرات الأمهات، فالكرد كانوا ومازالوا يدفعون ثمناً باهظاً لأجل حريتهم ووقوفهم مع المستضعفين.
 

نحاول أن نرفع الظلم عن ثقافتنا المغيبة ولغتنا المكتومة، وتاريخنا المضطهد، نحاول أن نصحح التاريخ وننصف أنفسنا، ومن بابكم اليوم أيها الجزائريون نطرق باب التاريخ.

بعد مرور عشرات السنوات ماذا نريد من الجزائريون، سؤال قد يطرحه البعض، نحن لا نمنن أحد على مواقفنا أبداً، سيشهد لنا التاريخ والأحرار، إننا كشعبً كردي، ساهمنا في رفع الظلم عن الكثير من الشعوب، شارك الكرد في الدفاع عن الدولة العثمانية على رغم من ظلم العديد من سلاطينهم، وشاركوا العراقيين في قتال البريطانيين، وقاتلوا الفرنسيين في سوريا بكل بسالة.

فلو كان كُتاب التاريخ عادلين معنا لقالوا إن كبار قادة الثورة السورية الكبرى هم أكراداً مثل الشهيد يوسف العظمة وزير الحربية وإبراهيم هنانو أحد رموز الثورة السورية الكبرى، وشكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية، الذي عاش السوريين في عصره عصراً ذهبياً، لقال التاريخ الأخرس، إن الكرد ساهموا في الفن العربي والثقافة العربية، فكان منهم عبد الرحمن الكواكبي وأحمد شوقي، وأسماء كثيرة جداً، لكن كُتاب التاريخ لم يعدلوا معنا يوماً.
 

أيها الجزائريون، هل تعلمون أننا قدمنا قرباناً لثورتكم 283، منهم الشاعر والدكتور والمهندس، والطيار، والقائد، والثائر والمعلم، فإن بلدتنا من رغم صغرها جغرافياً وسكاناً، يلقبونها بلد المليون شاعر، لكثرة المثقفين فيها، إنما نحاول أن نصدح عالياً اليوم إن الكرد ساهموا أيضاً ب 283 ملاكاً دعماً للثورة الجزائرية المجيدة بكل فخر وعزة، نحاول أن نرفع الظلم عن ثقافتنا المغيبة ولغتنا المكتومة، وتاريخنا المضطهد، نحاول أن نصحح التاريخ وننصف أنفسنا، ومن بابكم اليوم أيها الجزائريون نطرق باب التاريخ، فهل كتابكم ومثقفيكم وموثقي ثورتكم سيسمعون صرخات أطفالنا الشهداء حرقاً، أم إنهم يؤمنون ببيت الشاعر لقد أسمعت لو ناديت حيـا ولكن لا حياة لمـن تنـادي.
 

حتى شهدائنا ظُلموا من كتبة التاريخ، فهناك شهيد يمجد وهناك شهيد يدفن في مقبرةً جماعية. ولم ينصف الكرد سوى قصيدةً خالدة قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش أختم بها مدونتي:
تحيا العروبة.. هل خرّ مهرك يا صلاح الدين
هل هوت البيارق؟ هل صار سيفك.. صار مارق؟
من أرض كردستان.. حيث الرعب يسهر والحرائق
الموت للعمال إن قالوا.. لنا ثمن العذاب
الموت للزرّاع إن قالوا.. لنا ثمر التراب
الموت للأطفال إن قالوا.. لنا نور الكتاب
الموت للأكراد إن قالوا.. لنا حق التنفس والحياة
ونقول بعد الآن فلتحيا العروبة
مرّي إذاً في أرض كردستان.. مرّي يا عروبة
هذا حصاد الصيف.. هل تبصرين
لن تبصري.. إن كنت من ثقب المدافع تنظرين
يا أمّتي.. هجمت على تاريخك الإنسان
أشباه الرجال.. باسم العروبة
يستباح الدم.. تحكمك النصال
بعثت لمزبلة الزمان.. أخسّ ما عرف الزمان من الزمان
باسم العروبة.. يطعن التاريخ من شطآن دجلة والفرات
يا أمّتي.. لم يكفنا أنّا براء
منهم وطابورهم.. لم يكفنا أنّا براء
ألقى لمزبلة الزمان.. أخسّ ما عرف الزمان
القى عدوك يا عروبة.. نقول بعد الآن فلتحيا العروبة
لا على الأموات.. فلتحيا العروبة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.