شعار قسم مدونات

جدلية الجيش الحرّ والمجاهدين

blogs - syria
قد يكون العنوان مثيرًا، لكن الحقيقة صادمة وقاسية؛ فمن المعروف شرعًا واصطلاحًا بأنّ كلّ من قاتلَ لتكون كلمة الله هي العليا فهو مجاهدٌ في سبيل الله. أما مصطلح "الجيش الحرّ"، فهو مصطلح ترافق مع انشقاق مجموعة من الضباط وصفّ الضباط والجنود عن جيش النظام، وترافق هذا المصطلح مع مصطلح حرص الإعلام على ترويجه وهو ما عرف بمصطلح ( المقاتلون المحليون).

ولايخفى على متابع للأحداث فضلُ الجيش الحر في حماية المظاهرات السلمية بادئ الأمر، ثم اطلاقه لبدايات المقاومة المسلحة ضد قوات النظام، وتحريره لمناطق واسعة من الأراضي السورية المغتصبة، واكتسابه لحاضنة شعبية ملحوظة، ومحاولته الانخراط ضمن تشكيلات عسكرية كبيرة واضحة المعالم.
كما لايخفى على أحدٍ فضل المجاهدين السوريين ومن رفدهم في تحقيق انتصاراتٍ و فتوحاتٍ ضخمة، وتشكيلهم مقاومة شرسة حالت دون سقوط المناطق المحررة، وكونهم القوة الضاربة لأغلب العمليات العسكرية ضد النظام، إضافة لدورهم الواضح والجلي في نشر الوعي الديني وثقافة الجهاد كمبدأ اسلامي أصيل يفضي إلى مرضاة الله تعالى.

لا بديل عن اصطفافٍ سنيٍّ واضح المعالم، يجمع السلفي والصوفي كما يجمع الدعوي والجهادي جنباً إلى جنب، يقف وراءه علماء الأمة قبل عامتها دعماً وتايداً ونصحاً.

إلا أن الحالة العسكرية السورية وكانعكاس لحالة الثورة، فيها من العفوية إن لم نقل العبثية الكثير، فتشرذم السلاح ليس إلا حلقةً واحدةً من تشرذم رؤيتنا الكلية، وإن التمسنا لذلك عذراً فيما سبق من سنين الثورة نظراً لحداثتها وعدم الإعداد المسبق لها، إلا أنّ هذا الأمر كان من المتوقع انتهاؤه أو الحد منه تبعاً لتقدم عمر الثورة ووضوح أهدافها ومعالمها، لكن الذي حدث أن الأيام ما زادت عسكرة الثورة إلا تشرذماً وضعفاً.

نستطيع القول هنا أن أهواء النفس وشهوة السلطة ورأي الداعم كانت الأسباب الأبرز لهذا الانقسام، لكن لإخراج المسألة إخراجاً لايحرج أهلها أو يظهرهم كملوك الطوائف، لعب الإعلام على تصوير المسألة كخلاف ديني أيديولوجي، ثم لعب على تغذية أسباب الخلاف والضرب على أوتاره، وساعده في ذلك ضيق الأفق وسطحية الرؤيا عند من تصدروا إدارة الصراع، ممن أفرزتهم الساحة السورية، فألهَتهم ظواهر الأمور عن جوهر الصراع مع الطاغية وحقيقة الكارثة التاريخية التي يعايشها الشعب السوري، فضلاً عن دقة المرحلة الحالية وارتباط حاضر الأمة ككل ومستقبلها بنتائج هذه الثورة.

ولعل ما يحدث هنا يشبه إلى حد بعيد مرحلة الترف الفكري التي سبقت انهيار الخلافة العباسية، فترى بعض الفقهاء يتجادلون على حكم صحة إمامةِ الرجل إن كان رأسه رأس حمار، لكن المفارقة أن الخلاف في عصرهم حدث بعد الازدهار، أما الخلاف في حالتنا فحدث ونحن نُطحن بأتون هذه الحرب، ولاعجب ونحن نعيش هذه الحالة أن نرى بأمّ أعيننا كيف جمع أزلام النظام رايات الثورة على اختلاف ألوانها وأحجامها وأنواعها، وألقوا بها في سلة المهملات.

ولعلي أعرضت عن نقاش أسبابٍ قد يراها البعض جوهريةً في الخلاف بين الجيش الحر والمجاهدين، والسبب أنها ولو عظمت في أعين البعض إلا أنها في مرحلتنا الراهنة تتصاغر كثيراً مقارنة بحجم التحديات وضغط الواقع، فلا مناص في حالتنا من أن تقف كل البنادق جنباً إلى جنب كصف واحد في مواجهة العدوان الأسدي والاحتلالين الروسي والإيراني لبلدنا؛ فترى بأم عينيك اصطفاف الملاحدة والروافض ومن والاهم كجيش واحد لمحاربتنا، وترى الأعراق المختلفة واللغات المتعددة تجتمع لتقتحم حلب أو تطوق ريف الشام، بينما يفت في عضدنا الفرقة التي اكتست بها الساحة الشامية.

لابد في مرحلة الصراع الأولى من استنهاض أي جهد، واستقطاب أي فرد من أفراد الأمة، والابتعاد عن مرحلة الإقصاءات فضلاً عن التنفير.

وبصياغة أخرى لا بديل عن اصطفافٍ سنيٍّ واضح المعالم، يجمع السلفي والصوفي كما يجمع الدعوي والجهادي جنباً إلى جنب، يقف وراءه علماء الأمة قبل عامتها دعماً وتايداً ونصحاً، فيكن بذلك نواة حقيقية لعمل إسلامي ممنهج، يخطو بنا خطوات واضحة نحو النصر.

اصطفافاً سنيّاً لا يستثني أي فردٍ من أفراد المجتمع المسلم، تتحقق به المواجهة الفاعلة لأعداء الأمة عن طريق حشد الطاقات كلها "فقاتلوا المشركين كافة، كما يقاتلونكم كافة".

فلابد في مرحلة الصراع الأولى من استنهاض أي جهد، واستقطاب أي فرد من أفراد الأمة، والابتعاد عن مرحلة الإقصاءات فضلاً عن التنفير، وإرجاء الخلافات لوقتٍ آخر يجلس فيه الجميع للنقاش والحوار في جوٍ لا يعكره غبار المعارك أو أزيز الرصاص.

ولا يجب أن يفهم من الكلام أنه دعوة للتمييع أو لقبول الخلل الشرعي، فحدود الله واضحة مصانة؛ لكنه ابتعاد ولو مرحلي عن التصنيفات القاتلة للعمل السني، ورفضٌ لإقصاء الآخر، وعدم المطالبة بمجتمعٍ فاضلٍ من شعبٍ تربى على مبادئ البعث لخمسين عاماً خلت، وهو من باب آخر رحمة و تلطف بهذا الشعب ودعوة له بالحسنى ليكون نواة المجتمع الإسلامي الرائد الذي يجدد لنا عصر الصحابة والتابعين الأوائل. ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.