شعار قسم مدونات

الحنين.. إلى متى وكيف؟

blogs - اشتياق

لربما هو شعور يعتبر الأكبر في كل حيثياته وتفاصيله حيث ينهمر ويسري في دمائك على حين غفلة. هو كذوبانٍ سريع لثلوج حزنك المتراكمة عبر الشتاء والتي يتناسب حجمها مع إحصائيات البعد والفراق عن بعض الأشياء أو الأشخاص وبعد بزوغ فجر أول يومٍ صيفيِّ كان قد آتى بعد شتاءٍ قاسٍ، فتبدأ هذه التراكمات بالتغلغل في صدوع وتشققات صدرك المنفتحة تبعاً لبعض الظروف وترشح من خلالها إلى اللا نهاية.

 

حيث تجد حيزاً صغيراً يقطن فيه جهاز قوي للملمة هذه الأحزان وتجميعها وتحويرها إلى حنين يتناسب طرداً مع كمية التراكمات هذه ويُضَخ عبر أوردةِ وأنابيب هذا الجهاز إلى شبكة عنكبوتية تصل بين أنحاء جسدك المترامية الأطراف وفي تلك اللحظات الحرجة يقبل عليك شعورٌ غريبٌ لا قِبَلَ لك بوصفه أبداً. حيث تفقد السيطرة عليها طرفاً تلو طرف وعضواً تلو الآخر وكأنما يُبَثُّ فيها سمٌ زعافٌ يسعى لقتلك شيئاً فشيئاً.

 

الشعور بالحنين و الاشتياق قد يأتيك على شكل وطنٍ وأرضٍ قد تربيت فيها و لك فيها أحلام وردية كنت قد زرعتها في صباك ولكن باتت في خانات الذكريات في وقتنا الحالي.

لا جدوى في أن تقارع هذا الموت القادم إليك بضربات استباقية وخطط تكاد تكون واهية وغير عبقرية، فهو آت لا محالَ من قدومه. محالٌ أن تهزمه في هذه المرة فهي ليست سوى معركة واحدة في تسلسل طويل وبعيد الأمد لمعارك قادمة. ولكن تعلّم أن تصمد لأطول فترة زمنية ممكنة في هذه المعركة حتى ينكسر هو في هذه الضربة ويعود أدراجه ليأتي الشتاء مرة ثانية ويتوقف هذا الذوبان والترشح ولينقشع هذا الموت القادم إليك في أولى المعارك بينكما.

 

ولكن في أولى هذه المعارك فإن الجدير بالذكر هو ألا تنسحب على حين غرة فهو قاتلٌ في بعض الأحيان فقط حاول أن تحافظ على صمودك وتحفظ بعض من قواك لمعارك أخرى قد تكون هي أشد وطأة من هذه المعركة العادية بالنسبة له. ولكن لن يأتيك وحيداً هو وقتها فسيأتي حتماً بأسلحة جديدة و فعالة وبمخططات أكبر من ذي قبل حيث يأتيك برفقة أشخاصٍ كُثر كنت تعرفهم في السابق حق المعرفة قبل أن تحول المسافات أو حتى المنايا بينكم.

لا بل وأكثر من ذلك فلربما يأتيك على هيئة أرضٍ وبيوتِ مدمرة كنت تتراكض فيها أنت وصبية الحي وأشلاء ممزقةٍ لأشخاص قد يتراءى لك بعدم معرفتهم قبل ذلك ولكن هي كلها كانت في يوم من الأيام تخصك أنت وأحبائك وأبناء جلدتك وذلك هو سلاحه الأكثر سريةً وفتكاً أن يأتيك على شكل وطنٍ وأرضٍ قد تربيت فيها ولك فيها أحلام وردية كنت قد زرعتها في صباك ولكن باتت في خانات الذكريات في وقتنا الحالي هو ليس إلا شعور بالحنين والاشتياق..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.