شعار قسم مدونات

لماذا لا نفك الارتباط عن السذاجة

blogs-شام
في زحمة أخبار الحزن الأخيرة على داريا وانتشار صور المقاتلين الخارجين من مدينتهم والمكلومين بترك أرضهم في مشهد تهجير قسري برعاية دولية، سبقت هذه الأحداث حملاتٌ ارتفعت فيها أصوات المعارضة من النشطاء الإعلاميين والسياسيين وحتى فصائل المعارضة المسلحة داخل سوريا مطالبين جبهة النصرة بفك ارتباطها عن تنظيم القاعدةظنّاً منهم أن المشكلة هي ارتباط النصرة بالقاعدة وأن الفصائل الإسلامية عموماً كانت عقبة في طريق الدعم الإقليمي والدولي للثورة السورية
 

وبعد أخذ ورد استمر عدة أشهر استجابت النصرة لهذه المطالبات وظهر زعيمها " أبو محمد الجولاني " لأول مرة معلناً فك الارتباط عن التنظيم العالمي المصنف بالإرهاب على لوائح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وأطلق الجولاني حينها اسماً جديداً " جبهة فتح الشام " لتكون أول ردة فعل أمريكية على هذا القرار بأنه لا يعنيها ولا يزال التنظيم إرهابياً على لوائحها
 

المعروف عن المعارضة المسلحة في داريا أنهم لم يكونوا متشددين ولم يرفعوا رايات أو شعارات إسلامية ولم يسمحوا لأي فصيل اسلامي بالعمل معهم بل كانت رايتهم علم الثورة

في الوقت الذي أعلنت فيه الجبهة هذا الإعلان كان النظام السوري قد أطبق الحصار على مدينة حلب، انطلقت بعدها جبهة فتح الشام مجتمعة مع فصائل جيش الفتح لتبدأ معركة لفك الحصار عن مدينة حلب ، هذه المرة دون دعم دولي لتواجه نظام الأسد والميليشيات الأجنبية القادمة من العراق وحزب الله اللبناني والطائرات الروسية وبالفعل نجحت خلال ستة أيام من فك الحصار عن المدينة
 

لم تُنهِ المعارضة احتفالاتها بهذا النصر لتتفاجأ باتفاق خرج صداه من مدينة البراميل " داريا " يقضي بإخراج ثوار المدينة الى محافظة إدلب وإفراغ المدينة من كامل سكانها، وبالفعل تم اخراجهم لأن الخيار الثاني كان لهم هو الإبادة الجماعية في رسالة صريحة نقلها وفدُ النظام لأهالي المدينة

بالتأكيد كان فك الإرتباط خطوة جيدة ولا شك أن معظم السوريين في طرف المعارضة أيدوا هذا القرار وربما ستكون له نتائج إيجابية على المعارضة والثورة عموماً.

هل المشكلة فعلاً كانت في فك الإرتباط ؟
 المعروف عن المعارضة المسلحة في داريا أنهم لم يكونوا تنظيم قاعدة أو متشددين ولم يرفعوا رايات أو شعارات إسلامية ولم يسمحوا لأي فصيل اسلامي بالعمل معهم بل كانت رايتهم علم الثورة التي أيدتها عند انطلاقها أغلب الدول الغربية  وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول العربية ومع ذلك تُرك ثوار داريا أربع سنين تحت البراميل والنابالم والحصار وأُخرجوا من مدينتهم قهراً برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أو على الأقل تحت أنظارهم ولم يَلقوا حتى بيان إدانة لهذا التهجير المكتمل الأركان ( تهجير المقاتلين السنّة من مدينتهم )

 

وها هي مدنٌ أخرى تنتظر نفس المصير في المعضمية والغوطة الشرقية في ريف دمشق وحي الوعر في حمص ، جميعها بدأ نظام الأسد بإرسال رسائل الى سكان هذه المدن  والأحياء مطالباً أهلها والمقاتلين فيها بالخروج الى إدلب بلغة التهديد والوعيد مستنداً الى صمت المجتمع الدولي على من سبقهم في داريا ولم يشفع لثوار داريا تمسكهم بمبادىء الثورة والإبتعاد عن الرايات الإسلامية

متى سيقتنع الثوار السوريون أن الدول العظمى تدعم الأقوى وتتحالف معه، فالميليشيات الشيعية التي تدعمها الولايات المتحدة في العراق جميعها ميليشيات مدعومة من إيران أيضاً وأغلبها ترفع رايات إسلامية وربما بعضها يرفع رايات معادية للولايات المتحدة نفسها ومع ذلك تدعمها في قتال تنظيم الدولة الإسلامية،
 

إن كان فك الإرتباط هو المشكلة فلماذا فصائل المعارضة لا تفك إرتباطاتها مع تلك الدول التي تركت ثوار داريا يخرجون من ديارهم

وجميع هذه الميليشيات أرسلت الدعم العسكري والبشري لدعم نظام الأسد في سوريا الذي تدعي الولايات المتحدة وغيرها أنه فاقدٌ للشرعية، وسكتت أي " الولايات المتحدة "عن الحوثيين في اليمن في محاربتهم لحليفتها " المملكة العربية السعودية "علماً بأن الطائرات الأمريكية بدون طيار لم تغادر سماء اليمن في استهداف مواقع تنظيم القاعدة هناك وتركت الحوثيين الذين رفعوا رايتهم وكَتبوا عليها " الموت لأمريكا "
 

إن كان فك الإرتباط هو المشكلة فلماذا فصائل المعارضة لا تفك إرتباطاتها مع تلك الدول التي تركت ثوار داريا يخرجون من ديارهم، وأين تلك الأصوات التي ارتفعت مطالبة النصرة بفك ارتباطها ولماذا لا نسمع صوتها في مطالبة الفصائل بفك ارتباطاتها والتي لا تُطلق رصاصة دون أن تأتيها الأوامر من تلك الدول وخصوصاً أن هناك جبهات متوقفة منذ أكثر من سنة.

تخلّت النصرة عن ارتباطها الوثيق صاحب الجذور العميقة بالقاعدة و المرتبط بعقيدة تنظيمية عمرها سنين و لم تتخلّ هذه الفصائل عن ارتباطها المُقيّد بمصالح لم تكن يوماً في مصلحة الثورة السورية و التي توجه أغلبها لقتال تنظيم الدولة الإسلامية أو حتى من ظنّوا أنهم قريبين من هذا التنظيم تاركين جبهاتهم مع جيش الأسد والميليشيات الطائفية!

 

اليوم مضت الأيام على فك إرتباط النصرة بالقاعدة وتقدم النظام و الميليشيات وأعادوا إحكام الحصار على حلب ودخلت الميليشيات الشيعية الى داريا، والمعضمية والغوطة والوعر ينتظرون نفس المصير
 

هل كانت المشكلة فك النصرة ارتباطها بالقاعدة ؟
هل رايات الفصائل الإسلامية هي المشكلة ؟
هل شفع لثوار داريا تمسكهم بعلم الثورة ومبادئها ؟
لماذا لا نفك الإرتباط عن السذاجة ..!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.