شعار قسم مدونات

السيد حفتر: لماذا يرفض الشارع الليبي حكم العسكر؟

Then-General Khalifa Haftar speaks during a news conference in Abyar, east of Benghazi May 31, 2014. Growing frustration over the reality of life in eastern Libya, which contrasts with the promises of politicians, is feeding support for Haftar, who has set himself up as a warrior against Islamist militancy and who some also see as their saviour. Picture taken May 31, 2014. REUTERS/Esam Omran Al-Fetori (LIBYA - Tags: CIVIL UNREST POLITICS MILITARY)

تركيا "ليست بلدا في إفريقيا… لا يمكن لبلد بحجم تركيا أن تدار من قبل انقلاب تم في ليلة ظلماء .. لن نقبل بهذا"  هذا ما قاله الرئيس التركي السابق عبدالله غل في إشارة إلى الانقلابات العسكرية التي تشهدها دول إفريقية.

و قال غل تلك الكلمات في تصريحه الرافض للانقلاب الفاشل ببلاده يوم 15 يوليو من العام الجاري، استوعبت هذه الكلمات بعد أن قرأت مقالا (موقع ساس بوست) عن الانقلابات والاغتيالات في إفريقيا، بتخطيط من وكالات المخابرات الأجنبية، وتنفيذ عملاء يتبعون هذه المخابرات.

وقد طالت تلك المحاولات البائسة العشرات من الدول الإفريقية، وقضمت كل من اقترب من مصالح تلك البلدان، حيث تجاوز عددها طبقاً للمقال 67 انقلابا، بينما يتعذر معرفة عدد عمليات الاغتيال.

لقد اتضح بعد فشل الانقلاب في تركيا، أن تركيا ودعت مسار الدول المتخلفة التي يسهل على أجهزة المخابرات المعادية لها تجنيد الخونة، الذين يقومون بالنيابة عن هذه الأجهزة بعمليات سطو قذرة على مقدرات الشعوب وسيادتها وقتل أبنائها بدم بارد، وأذاقوا شعوبهم ويلات الفقر والجهل والفساد؛ كما هو ديدن الانقلابات وكما هي عادة العسكر في الحكم.

لماذا يفشل العسكر في الحكم؟
خلال قراءة المقال المذكور؛ تداعت إلى ذهني أسئلة عديدة، لا أعتقد أنها تخطر ببال أي عسكري يريد أن يرغم الناس على نفسه إرغاما، وذلك لأن باب الأسئلة والأجوبة مغلق في ثقافة العساكر؛ فالعلاقة التي تربط بين القادة والمقودين في الأعراف العسكرية هي أوامر فوقية بحسب الرتبة، واجبة التنفيذ من غير مراجعة ولا محاورة.

بل هناك ما هو أدهى وأمر؛ ففي التاسع من شهر أغسطس 2015م، أي في الذكرى الـ 75 لتأسيس الجيش الليبي كان هناك لقاء مع عدد من ضباط الجيش المتقاعدين ونقل الإعلامي عبدالسلام الراجحي عن أحدهم "إن أكبر خطأ وخطر على المؤسسة العسكرية هو تدريب عناصر وضباط من قوات الجيش الليبي على نفس عقيدة القوات المسلحة المصرية، حيث تم نقل عقيدته التي تقول، أن العسكري أفضل من المدني، بل إن المدني عبء على البلاد وليس له القدرة على القيادة التنفيذية والسياسية بل يرون أن الرجل المدني منقوص الرجولة".

الآثار المدمرة التي تركها العسكريون في ميادين السياسة والحقوق والثقافة والأمن والاقتصاد تجعلنا نقف بكل قوة في وجه تكرار الفشل ومعاودة التجربة المخزية

ونظرا لخلفية المخاطب بالرسالة العسكرية سيكون هذا العنوان صادما لأن العسكري، وبالذات ممن خاض الحروب وخبر الأسر، والهزائم المنكرة في الحروب العبثية، حيث تقول الدراسات النفسية إن العسكري المهزوم يعاني عقدة لا يستطيع التنفيس عنها إلا على جثث المدنيين الذين يريد أن يسوسهم بعقلية الثكنات.

من تلك الأسئلة؛ سؤال بسيط مفاده لماذا يجب على الشعوب رفض حكم العسكر؟ وهل هو سيء لهذه الدرجة التي يفضل فيها آلاف الناس الموت على العيش في ظله؟ كما تشهد بذلك مسيرة الأحرار في بلدان الربيع العربي، وتجربة الانقلاب الفاشل في تركيا؛ حيث خرج الناس ولا يزالون في وجه محاولات عسكرة الحكم، وقد يموتون في سبيل ذلك، وهم يفضلون الموت على العيش لحظة تحت حكم العسكر لأن المنية خير من الدنية.

نتطوع بطرح هذا السؤال والإجابة عنه، وهو أمر قد يكون مفروغا منه لأن الآثار المدمرة التي تركتها تجارب الأحكام العسكرية الوظيفية ماثلة للعيان يشاهدها كل عربي من محيط الأطلسي غربا في موريتانيا إلى شاطئ الرافدين شرقا حيث لا يزال عراق الحضارة يئن من مخلفات التحكم العسكري الأبله، مرورا بليبيا والجزائر ومصر والشام، بل حتى تجارب الدول الأوربية وأمريكا اللاتينية التي جربت الانقلابات وما زال بعضها يئن من مخلفاتها.

رغم أن تلك الآثار الكارثية لتخلي العساكر عن وظائفهم الحقيقية في الثغور، ومزاحمتهم للمدنيين في باحات القصور، لا تزال ماثلة، فإن العديد من العسكريين، لا يزال مصراًّ على تكرار تجارب الفشل، ومن هنا أحببت أن أوجه هذا البحث، عساه أن يوقظ الضمائر، فيكف العسكر عن قتل الناس وتهجيرهم، وتدمير مدنهم سعيا لتحقيق غاية سلطوية تجاوزها الزمن، وتخطتها الشعوب.

إن الآثار المدمرة التي تركها العسكريون في ميادين السياسة والحقوق والثقافة والأمن والاقتصاد تجعلنا نقف بكل قوة في وجه تكرار الفشل ومعاودة التجربة المخزية. و كل الشعارات التي حملها الانقلابيون على مدار التاريخ المعاصر كانت أضغاث أحلام تتبخر عند أول اختبار جاد، وقراء التاريخ والمطلعون على تلك التجارب يعرفون ذلك حق اليقين، وعامة الناس تدركه أيضا لأنها عاشت المعاناة بتاريخ هؤلاء العسكر المثقل بالهزائم.
 

سيكتب التاريخ أنه بعد إعلان عملية الكرامة المشؤومة، تم تدمير أعرق جامعة وأكبر ثاني مدينة في ليبيا، وحدوث أكبر عملية تهجير لم تحصل حتى إبان الاحتلال الإيطالي

وحبذا لو وقف كل عسكري يسعى للسلطة وقتا قصيرا لتصفح الحصاد المرير في الدول التي ذاقت ويلات الانقلاب، ابتداء من الدول العربية وعينة من الدول الأوربية وأمريكا اللاتينية، حتى يعلم العسكر لماذا نرفض حكمهم؟ ورغم أن البلاوي؛ التي نشأت عن حكم العسكر، كثيرة كثرة الانقلابات والهزائم، إلا إني سأقتصر في هذا البحث على هذه المقدمة وثلاثة محاور سأتناولهم في ثلاثة مقالات أخرى.

سيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر: كيف سيذكركم التاريخ؟
سأتناول في المقالات القادمة سردا تاريخيا لبعض فظائع الانقلابات الكارثية في العوالم المتخلفة، ولا أدري هل يهتم العسكر بالتاريخ؟ التاريخ القادم والذكر الحسن، لا أعتقد لأن من أضاع الحاضر فهو في الماضي والقادم أزهد؛ أعتقد مثل غيري أن التاريخ سيسجل أن إعلانك  سيادة اللواء المتقاعد، للانقلاب المشؤوم الذي بث على قناة العربية يوم 14 فبراير 2014م كان كارثياً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ليبيا.

فلقد أضحت ليبيا بعد عملية الكرام، منقسمة من الناحية السياسية لبرلمانين وحكومتين ورئيسيين للأركان ومصرفين مركزيين، وأما على الوضع الاقتصادي فقد كان سعر الدولار قبل مغامرتكم 1.35 دينار فأصبح الآن 5 دينار، وكان إنتاج النفط يقارب المليون برميل يومياً فوصل في بعض الأحيان إلى أقل من مائتي ألف برميل.

وكانت أسعار البضائع في متناول المواطن البسيط الذي كان يقتات من خلال تقديم الخدمات على متن شاحنة يجوب بها طول البلاد وعرضها قبل انقلابكم، أو كان يملك عقاراً بسيطاً يدر عليه بعض الدخل فأصبح شاغراً، أو كان يستثمر في مشاريع صغيرة أو فرص عمل توفرها التجارة التي انقطعت وتوقفت مواردها.

وأما من الناحية الاجتماعية فسيذكرك التاريخ أنه تمت، في المدن التي تقع تحت سيطرتكم أكبر عملية تهجير عرقي للعائلات من أصول غربية أو تنتمي إلى القبائل العريقة ممن يأبون الضيم ويرفضون الاستبداد، ويعترضون على عودة حكم العسكر، سيذكر التاريخ أنه في هذه المدن تم استحلال حرمات بيوت هؤلاء المهجّرين واستباحة ممتلكاتهم.

سيكتب التاريخ أن أبطال صبراتة ودرنة ومصراتة ومن التحق بهم من أبناء ليبيا، قد انتزعوا شرف محاربة الإرهاب بجدارة، وأثبتوا للعالم أن الانتصارات التاريخية لا يحققها إلا المنتصرون.

سيكتب التاريخ أنه بعد إعلان عملية الكرامة المشؤومة، تم تدمير أعرق جامعة ليبية وأكبر ثاني مدينة في ليبيا، وحدوث أكبر عملية تهجير لم تحصل حتى إبان الاحتلال الإيطالي، فقد جاء في التقارير الحقوقية أن عملية الكرامة قد أدت إلى نزوح أكثر من نصف مليون شخص بين 14 مايو 2014 ومطلع أبريل الماضي".

لهذا سيادة اللواء يجب أن نرفض حكم العسكر.!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.