شعار قسم مدونات

يوم خلعت حجابي

خلعت نقابها

لأن هناك احتمالا آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، فلا بد أن أعلن أنني اتخذت القرار. لن أتراجع وسأخلع الحجاب. فمن الغريب أن يثير هذا الجزء من جسدي الشهوة! كما أن الأخلاق لا تساوم بقطعة ثوب تغطي الرأس، قررت وكتبت رسالة لصديقي المصري في الواتساب: سألتقي المسؤولين في القناة بدون حجاب. وكان الرد هكذا أفضل.

ولأن سنة 2016 بدأت مختلفة، فتفاصيل أيامها كانت كذلك. وتعود الحكاية  لشهر ماي الماضي الوقت الذي قررت فيه خلع الحجاب استجابة لمعايير وضعتها قناة ناطقة بالعربية لاختيار صحافيين من المغرب العربي.
 

قضيت أسبوعين أحلل النصوص الدينية التي فرضت الحجاب. أبحث في اجتهادات العلماء وأقنع نفسي بما أريد أن أقدم عليه بخلع الحجاب.

لم يعد يفصلني عن موعد الاختبار سوى أسبوع، اشتريت ملابس رسمية، سعدت بشكلي الجديد بدون حجاب طبعا. أدور حول نفسي وكلي يقين بنيل إعجاب مسؤولين يبحثون عن كفاءات غير محجبات، ولمضاعفة حظي في الظفر بالمنصب فكرت وقررت.
 

وأذكر أنني فسرت قوله تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" أكثر من مرة، فهمتها بالمنظور الذي أردت يومئد ووصلت للقرار النهائي.

فكرة خلع الحجاب لم تزرني وحدي بل راودت الكثيرات، وأنا على يقين أن كل واحدة منا نحن المحجبات تنظر إلى نفسها في المرآة وتقول "جميلة أنا بدون حجاب"، بعدها تلف شعرها وتضع قطعة الثوب فوقه وتغادر بيتها، ويقيني أيضا أن الكثيرات ممن خلعن الحجاب تستسلمن ما مرة إلى صوتها داخلي يخبرها "يا ليتني لم أخلع الحجاب".

قبل السفر لاجتياز الاختبار جلست أمام المرآة في المكان نفسه الذي أرتب فيه حجابي كل صباح، لكن اللقاء كان هذه المرة مختلفا، أسدلت شعري ومررت أصابعي بين خصلاته، وصرت أتحسسه كأنني أسير على الماء، فهو منقذي وراعي طموحي وبه سأحقق ما صبوت له.

لكن المكابرة شيء وواقع الحال أمر آخر؛ ففي قلبي غصة أتجاهلها، وعقلي يهيم في مسارب لا نهاية لها، كيف سينظر زملائي في الجريدة لشكلي الجديد؟ كيف ستكون ردة فعل فلان وعلان؟ فجأة وبلا سبب منطقي وجدتني أبكي وأطيل في البكاء.

أجريت الاختبار لكن بحجابي فوق رأسي لم أغادر البيت ورأسي مكشوف. اختبرني المسؤولون في الإلقاء الصوتي وتحرير تقرير تلفزيوني والترجمة… وتم القبول المبدئي على أساس السفر إلى تركيا أوائل شهر شتنبر. وهكذا وبدون إنذار، أعلن عن الانقلاب العسكري فانقلبت معه الموازين.

سيرحل جنون الفكرة وغصة القرار وتظل الذكرى فقط، ذكرى يوم فكرت فيه بخلع الحجاب، وهي الذكرى الخاصة بي وبهن.. فمن غير الإنساني أن نملك هدفا ونسعى له بأسهل الطرق.

أعلن عن الانقلاب العسكري في تركيا وصديقتي تحتفل بيوم عمرها في المغرب، وتفاصيل أخرى تضعني بين بين الهنا والهناك واقفة انتظر، ذلك الانتظار الملازم للحياة. أقف مقابل الفرحة  تلتقي يداي ويتحرك قلبي شغفا بمصير حياة جديدة.

لكن الحكاية تبقى ناقصة من انقضاء فيض الشجن الذي يحول بين فجيعة النهاية ويسر البدايات.لا أدري إن كان علي أن أضحك أو أبكي، أن أنط فرحا مقيما من عدولي عن فكرتي، أو أن أستسلم لحزن الفقد.

فقد الحلم الذي لامسته أصابعي، وكدت أن أحكم عليه قبضتي. ولأن للروح علينا حق يجب أن أنسى وتنسى وننسى، أن نبدأ من جديد وكأن شيء لم يكن. سيرحل جنون الفكرة وغصة القرار وتظل الذكرى فقط، ذكرى يوم فكرت فيه بخلع الحجاب، وهي الذكرى الخاصة بي وبهن.. فمن غير الإنساني أن نملك هدفا ونسعى له بأسهل الطرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.