شعار قسم مدونات

وطن في حقيبة!

A Palestinian woman rests next to her suitcase as she waits for a travel permit to cross into Egypt, at the Rafah crossing between Egypt and the southern Gaza Strip March 9, 2015. Egyptian authorities opened the Rafah border crossing on Monday for two days, officials said. Rafah is the only major crossing between impoverished Gaza, home to 1.8 million Palestinians, and the outside world that does not border Israel, which blockades the strip and allows passage mainly on

في الصغر حفظنا السلام الوطني، وطالما وقفنا منتصبين لرفع العلم، تربينا على أنغام بلادي، وحق العودةٍ لوطن مسلوب لا يأتي سوى بالحسام، لا الكلام.

نعم. كان من قدرنا أن نعيش طفولة خاصة، طفولة لا تعرف الكثير من رغد الحياة، وقبولنا بقدرنا ينبع من عدالة قضيتنا التي تستحق التضحية.

وكأبناء جيلي اليوم أعيش واقعا مريراً، انحرفت فيه البوصلة عن القدس واللاجئين والأسرى والقضية، حتى يمكننا أن نقول إننا بتنا كأحجار الشطرنج يتم تحريكها من قبل هذا وذاك لخدمة المصلحة الحزبية.

كنت على مقربة من الأوساط التي قد لا يستطيع المواطن العادي أن يرى حقيقتها.. رأيت الفساد في التوظيف والعلاج والسفر والتعليم

البيت الفلسطيني الآن أوهن ما يكون "اجتماعيا" وهذه ليست أكذوبة بل حقيقة، أراها عندما يعيش السياسيون والمتنفذون بيننا بمعزل عن الأزمات هم وعائلاتهم، وأن مايروجون له بأنهم جنبا إلى جنب مع شعبهم ليس إلا ضربا من الخيال "ولا حاجة للتفصيل" .

حركات التحرر الوطني باتت الآن عبئاً على الشعب والشباب والقضية. لطالما كنت أنادي بالتغيير وأؤمن بدور الشباب وسعيت كثيرا من أجل الانتصار لفكرتي.

لكن بحكم عملي كصحفية في غزة لفترة ليست بالقصيرة، كنت على مقربة من مختلف الأوساط التي قد لا يستطيع المواطن العادي أن يرى داخلها وحقيقتها. رأيت الفساد في التوظيف و العلاج والسفر والتعليم.

ربما كان لمرض أخي وحاجته للعلاج خارج غزة الدور الأكبر في كشف وتعرية النظام القائم في غزة والضفة أمام ناظري على الأقل.

فبعد عامين من ترحال أخي نزيلا على المشافي، تم تشخيص مرضه الذي لا علاج له في القطاع، وبالتالي فإن العمليات الجراحية التي أجريت له مسبقاً لم تكن في محلها.

اتصل بي أخي المريض – الذي كان قد فقد الأمل بالحياة حينها – يقول لي إن طبيبه أخبره بعدم وجود علاج له وإن حالته في مراحلها الأخيرة بسبب التشخيص المتأخر لمرضه وزاد الطين بلة بإخباره أنه سيصبح "معاقا" في نهاية المطاف.

حينها هِمتُ على وجهي بين المتنفذين في غزة والضفة للمطالبة بحقه الإنساني في العلاج، النتيجة كانت أعذاراً غير مبررة تدعي العجز وقلة ذات اليد بغزة, بينما في رام الله المماطلة وحجج بارتفاع الميزانية المرصودة لغزة عن حدها المسموح (بلطف الله فقط هو الآن بمرحلة علاجية جيدة)

رأيت هامات شعبي تنحني من شعب كريم مرابط صامد إلى سيل من فاقدي الأمل يعدّون الأنفاس الأخيرة بانتظار الموت

كل حزب منهم له يدٌ نافذة على مخرج من مخارج القطاع فحماس على معبر رفح وفتح على معبر بيت حانون، حصلت حينها على دليل فساد في مؤسسات تدعي أنها للجرحى فقط، وعندما حاولت استخدامها ، بدأت تتردد على مسامعي  تهم جاهزة ومخيفة، تراجعت.. خفت على نفسي وعائلتي من شر ذاقه الكثيرون ظلماً. نعم توقفت لأنها حياة أخي.

الظلم، اليأس، القهر في كل مكان، والشعب يئن بصمت. لا أدري هل يرون ما رأيت؟ هل هي طيبة القلب والصبر أم هي قلة الحيلة والتسليم بالواقع؟ أم هو النجاح في خداعهم واستدراج عواطفهم بالكلمات الرنانة.

رأيت هامات شعبي تنحني من شعب كريم مرابط صامد، إلى سيل من فاقدي الأمل يعدون الأنفاس الأخيرة بانتظار الموت.

لا أحد يلقي بالاً، كأنهم يلعبون لعبة عضّ الأصابع، انتصار هنا في هذا الجانب وآخر هناك في ذاك الجانب، والشعب ينزف والعمر يمضي.

أنا من هذا الشعب، انتظرت كثيرا. لكنني تركت الوطن، لملمت ما استطعت من ذكريات بعدما ألقيت نظرة الوداع على الأحياء، والسلام على الشجر والبحر والمساء والطرقات.

الآن أصبحت إنساناً يشعر بلوعة حب الوطن، وبحرقة فرقة الأحباب، أحببت وطني مجدداً، كما لو أني لم أشعر بحبه عندما كنت هناك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.