شعار قسم مدونات

نوتيفيكيشومينيا

blogs - social
في شهر رمضان دعا أحد الأصدقاء مجموعة من الأشخاص لوجبة إفطار جماعي في منزله، ورغم عدم دعوته لي إلا أني عذرته لدراستي في فرنسا فلم يكن سخيا لدرجة توفير تذكرة طيران بالإضافة إلى تسببها في إفطاري يوم السفر عندها لن يكون للإفطار الجماعي معنى..

عودة للقصة، بعد حضور الضيوف مباشرة استقبلهم صاحبنا بصندوق خشبي أنيق طالبا من كل شخص متفضلاً أن يقفل هاتفهُ المتنقل ويضعه بداخل الصندوق. بنظرات مستغربة وأيد مرتجفة وضع الضيوف جوالاتهم داخل الصندوق مودعين العالم الخارجي ولسان حالهم يتساءل "ماذا سنفعل بعد الجلوس معاً، هل سننظر لبعضنا البعض وجها لوجه طوال الوقت؟". جلس الجميع وأغلق باب المجلس.
لم تكن الصعوبة بترك الجوال بحد ذاته بقدر ما كان بالتخلي عن تنبيهات الجوال (Notifications)، التنبيهات مصباحنا السحري لمعرفة ما يحدث في العالم من أحداث عبر شبكات التواصل الاجتماعي (برودكاست مثير للجدل، هاشتاغ جديد، تغريدة فاضحة، تعليقات، لايكات، أعداد متابعين ومشتركين ومشاهدات) كلها تأتي بشكل لحظي حتى معاملاتنا البنكية، رسائل الإيميل الشخصية، الألعاب، الطقس كلها تظهر بوجه مستخدم الجوال رغما عنه، فهي تختصر أخبار البلاد والعباد.

زنزانة الإدمان على الإنترنت بوابتها التنبيهات التي تشد أصابعنا الصغيرة لفتح الجوال، تغرينا بإضاءتها، صوتها، وحتى اهتزازاتها

أصبح لدينا هوس التنبيهات (نوتيفيكيشومينيا Notificatiomania) متربعا قاع هرم ماسلو مزاحما حتى النوم والطعام، لا نستطيع الأكل إلا بعد إزالة التنبيهات ولا النوم قبل مشاهدتها كاملة، زنزانة الإدمان على الإنترنت بوابتها التنبيهات التي تشد أصابعنا الصغيرة لفتح الجوال تغرينا بإضاءتها، صوتها وحتى اهتزازاتها.

دراسة حديثة نُشرت بتاريخ يونيو 2016 في المجلة العلمية "الذكاء الحاسوبي وعلم الأعصاب" (1) قامت بتحليل الرسم الكهربائي للدماغ (Electroencephalogram) لمجموعتين من المشاركين أثناء أدائهم مهمة بسيطة بالنظر إلى شاشة بيضاء وفي حال ظهرت نقطة صفراء اللون فعليهم الكبس على زر أما إذا كان لون النقطة حمراء فلا يفعلوا شيئا ً، يسمى هذا النوع من الاختبارات (Go-NoGo Task)، أثناء اختبار المجموعة الأولى تم إرسال تنبيه على شكل إهتزاز في أوقات مختلفة وعلى المشاركين إكمال الإختبار متجاهلين التنبيه، بينما المجموعة الثانية خضعت للاختبار بدون أي تنبيهات بتاتاً. لوحظ أن المجموعة الأولى عانت من إنخفاض في وقت التفاعل والتركيز مقارنة بالمجموعة الثانية الخالية من التنبيهات، وحضت المجموعة الأولى بمعدل خطأ أعلى من المجموعة الثانية. كما وجدت دراسة أخرى (2) أن التنبيهات تؤثر على دماغ الشخص حتى لو لم يفتحها أو يمسك بالجوال، فبمجرد استماعه لصوت أو اهتزاز التنبيه يتشتت ذهنه بشكل تلقائي.

نعود لأصدقاءنا على وجبة الإفطار، عندما سألتهم عن تجربتهم بالتخلي عن جوالاتهم، قالوا أن الوقت الذي قضوه معاً بدون تنبيهات كان من أجمل الأوقات وأكثرها معنى وتفاعلا ً بينهم، وأن فطور أم محمد كان لذيذاً كالعادة.

ــــــــــــــ
المصادر:
(1) Seul Kee Kim. So Yeong Kim. and Hang Bong Kang. "An Analysis of the Effects of Smartphone Push Notifications on Task Performance with regard to Smartphone Overuse Using ERP". Computational Intelligence and Neuroscience
Volume 2016 (2016). Article ID 5718580. 8 pages.

(2) Stothart C. Mitchum A. and Yehnert C. "The Attentional Cost of Receiving a
Cell Phone Notification". Journal of Experimental Psychology: Human Perception and
(Performance. (2015


الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.