شعار قسم مدونات

من خريجة إلى طلبة الجامعات

blogs - grad
قبل ثمانية أشهر من الآن، أذكر ذلك اليوم جيدا بكل تفاصيله، ذلك اليوم الذي كان آخر خطوة لمشوار الألف ميل الذي ابتدأته بخطوة حلم واختيار لتخصص الهندسة المدنية بشغف وحب، الذي كان فيه آخر قاعة سأدخلها لأقدم فيها آخر امتحان في مرحلة البكالوريوس، وآخر مقعد سأجلس عليه مطأطئة رأسي بعلاقة صلح مع الورقة لأحشوها بمعلومات تكدست ليلة الأمس فيه، وآخر ورقة امتحان بكالوريوسية سأكتب فيها اسمي ورقمي الجامعي، ولا أنسى آخر ثوان وسنتيمرات التي تفصل يدي عن يد الدكتورة لأسلمها الورقة ومقلتاي تدمع بدموع الإنجاز والحنين.. إنجاز لتحقيق حلم أحببته بامتياز وحنين لأيام عشت فيها حلمي وستخلد كذكرى دون أي قدرة للزمن على أن يرجعني إليها..
لأخرج بكلتا قدمي من القاعة بعقل وقلب وروح وجسد لا يشبهني عندما دخلت بكلتا قدمي أول قاعة بأول يوم لي بالجامعة.. وهذا ما يجب علينا أن نعيه عندما نقرر دخول الجامعة، أن نخرجها مصطحبين معنا أفضل ما يمكن أن نجمعه منها فينا.. حتى لا نبقى في نفس المستوى الذي دخلنا به الجامعة..
لهذا سميت "جامعة" لا من أجل أن تخرجك بشهادة كرتونية تعلقها على الحائط وتنتظر من المجتمع أن يعترف بك كخريج جامعي.. وتنتظر من ديوان الخدمة المدنية أن يعطيك رقما لتنتظر فيه دورك بالتعيين.. ولتنهال الهدايا من الجارات على أمك بمناسبة تخرج ابنها أو ابنتها الجامعية..
لا تجعل هذه الشهادة التي كتب فيها تخصصك (الذي لربما لم تدخله برغبتك، أو تم اختياره بطريقة عشوائية من ضمن قائمة  طويلة في ورقة ملأتها وأنت محتار فيهابتخصصات متاحة لمعدلك )، هي مقياس لقدراتك ومناجم كنوزك التي بداخلك وتنتظر منك أن تنقب عنها وتطورها..
ولأنني صديقة جيدة بالنصح للآخرين ومتيمة بالعطاء للآخرين لآخر رمق بعروقي سأغرف من تجربتي المتواضعة و سأدون منها هنا كل كلمة كنت أقولها لأي صديقة ألتقيها وهي مازالت طالبة جامعية..

العمل التطوعي زادُ الروح، فأن تقوم بعمل بطواعية منك وبملء إرادتك بحد ذاته عطاء وفيه الخير والبركة

1- إياك أن تدخل تخصصك بغير رغبة منك ، وإن ابتليت به وكان قدرك فابحث بعمقه عن نفسك فيه لعلك تجد خيط مشترك بينكما ،ومن ثم أقم معه علاقة حب وأبدع به وكن وفي لنفسك معه .. وإن لم تجده ، فحيك أنت ذلك الخيط  باللون والطريقة التي ترغبها ، ولا تنتظر أن تمر بك السنين من عمرك عبثآ لتصل للحظة التخرج لتتخلص من الجامعة .

2- لا تجعل حبك لتخصصك يحتم عليك ان تقيد بحضور محاضراته وانتظارها وحسب ، بل عليك أن تنخرط بأنشطة لا أكاديمية بجامعتك ، جرب أن تشارك باتحاد الطلبة ، أو مجلة للكتابة بجامعتك أو حضور ندوات ومناقشات للكتب ، او تنضم لنادي نشيط  وفعال بجامعتك ، أو أن تمتلك فكرة ورسالة فتنشىء منها نادي يعمل على خدمتها ونشرها بين طلبة الجامعة.. او تنضم لفريق رياضي ،او إن كان لديك موهبة فنية فاشترك بالمسارح واعمل على تمثيل مسرحيات تخرج فكرآ وفنآ وإبداعآ وتوصل بها رسالتك،فماعليك إلا أن تبحث وستجد نفسك بما تحب ، وإن لم تجد فاصنع لنفسك شيئآ تحبه..
3- شارك بالعمل التطوعي،هنا أقول أنه هو زاد الروح،أن تقوم بعمل لغيرك بطواعية منك وبملء إرادتك فهو بحد ذاته عطاء وفيه الخير والبركة ..جرب أن تعطي محاضرة مراجعة لزملاءك بمادة أرهقهم فهمها ، وجرب أن تجمع أنت وأصدقاءك  كل يوم مبلغآ زهيدآ وعندما تصلوا لنهاية الفصل يمكنكم أن تدفعوا به رسوم لطالب محتاج سرآ ،أو أن تشتري مونة لأحد المحتاجين ، أو أن تسددوا به أجار سكن لشخص يطالبه صاحب السكن بأن يخرج للشارع منه ، جرب أن تشتري عصيرآ باردآ لعمال النظافة وتجلسهم تحت ظلال الشجر بجامعتك وتقوم أنت وزملاءك بالتنظيف بدلآ عنهم،جرب أن تكتب رسائل ممتلئة بالتقدير والسعادة وتفاجئ بها أعضاء هيئة تدريسك،فلن تعلم مقدار السعادة التي ستنتابهم لأشياء كهذه لم تكن بالحسبان، جرب أن تصنع الخير بالكبير والصغير وأن تصنع إمالة لثغر أحدهم على ملامحه المتعبة ،فاالعطاء أبوابه كثيرة و ثمرته ستنعكس على روحك وستملؤك بطاقة إيجابية تدفعك بأن تدمن العطاء والإنجاز والتقدم للأمام،ولا أفضل من أن تعطي ببذخ مما تفتقده،وأن تصنع سعادة لغيرك أنت نفسك لم تستطع صنعها لك فهنا قمة العطاء،وتذكر بأن ربك سيعيده عليك أضعاف مضاعفة وسيغرقك بفضله ،
4- كن صديقا للكل..احتك بالجميع الأكبر منك والأصغر ، خالط أساتذة الجامعة والإداريون ،اعقد معهم معاهدة صلح ، واستفد من خبراتهم  وتجاربهم ،و لتكن أكثر انفتاحاً وضياءً، استمع إلى كل وجهات النظر من حولك باحترام وتقبل،وصاحب الأخيار واستفد منهم من أصدقاءك ،وصاحب رفقاء السوء وكن أنت الذي يقال فيه "الصاحب ساحب " واسحبهم للخير وللنور و كن أنت المؤثر عليهم ليكونوا أفضل مما هو عليه ..ولتكن وفيآ لقدسية الصداقة بما تحتويه من معان وقيم ..
5- كن مجنونا شغوفا .. لا تدع أن يمر يوم من حياتك دون أن تميزه بشيء من الجنون، كن ذلك الشخص الممتلء حيوية ونشاطآ وتحدي،صاحب الأفكار الإبداعية اللامتناهية،كل يوم اجعل جنونك بشيء جديد يضفي عليك بريق ووهج الفرحة،وتمرد على عادات وتقاليد واهية ستقيدك وتعيق تقدمك ، تعلم أشياء جديدة تحبها، ابحث عن مسابقات ومبادرات تدعم افكارك الجنونية،طور هواياتك،وتعلم اللغة التي تحبها،وخطط لحلمك الذي سيقولون عنه مستحيلآ،غامر ولاتخف،واحتفظ بجنونك لك ولأصدقاء لك تحب أن تشاركهم جنونك وطموحك..
6- كن مرحآ ومرنآ.. استثمر علاقاتك وأيامك في الجامعة كيفما شئت، اعقد لقاءً أسبوعياً مع اصدقائك، تناول القهوة برفقتهم،التقط كم هائل من الصور لتتشاركوا ذكرياتكم لاحقاً،واجعل نفسك منارة يلجأ لها الآخرون حتى بعد تخرجك،ولتكن الفكاهة رفيقتك المعتادة، واكسر القواعد التي تُضيق على الطالب،لا تخجل واسأل دائماً عن كل ما لا تعرفه ،وكن فضوليآ حتى تصل إلى ما تريد، احتفل بالمناسبات القومية والاجتماعية المختلفة – والتي تستحق الاحتفال منها ، وقس نجاحك في التأقلم مع بيئة وأشخاص جُدد، استمتع بكل التفاصيل انقل ثقافتك لغيرك، وتعرف على ثقافات غيرك..

عِش كل لحظة من لحظاتك الجامعية إلى أن تحين لحظة تخرجك، لأنها ستأتي حتماً بموعدها ولو استعجلتها

وأخيراً.. لا تستعجل لحظة التخرج،فعش كل لحظة من لحظاتك الجامعية إلى أن تحين لحظة تخرجك لأنها ستأتي حتمآ بموعدها حتى ولو استعجلتها،ولاتجعل الشخص الذي  وضعت ثقتك فيه واقتربت منه،وجعلته الأقرب لقلبك ،ثم خذلك وتخلى عنك واعتقد أنك أبله لطيبتك معه أن يكون عائقآ لتقدمك ويجعلك تعيش بعزلة وعدم ثقة بالآخرين،فأنت لم تخسره بل هو من خسر قلبآ كقلبك ومكانة وضعته فيها ، لا عليك فهو ماض سيكون فلا تلتفت له واجعله درسآ،وامض لمستقبلك بكل قوة وثقة،واصفح واعفو عنهم لأجل روحك لتنعم بالسلام والآمان ..

لكي عندما تصل لآخر يوم لك بالجامعة  تفعل كما فعلت أنا،اشتريت كوبآ من الزنجبيل(شرابآ لم أشربه طيلة بالجامعة) واصطحبته معي لكل مكان في الجامعة لي فيه ذكرى،فجلست بأول قاعة دخلتها ، وجلست بأول مكان التقيت فيه بأعز صديقة ، وتمشيت بأول شارع كنت أمشي فيه وحدي،وجلست بالساحة التي كان لي فيها أول لقاء مع قطرات المطر بالجامعة،وهكذا من مكان لآخر والذكريات تملء الأركان والأماكن،ومقلتاي وثغري تتشاركاالبسمة والدموع والقلب ممتلء بالحنين والفرح الذي لو كان غيمة لأغرقت به جامعتي مطرآ من المشاعر التي اجتاحتني..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.