الإسلام اسم تسامع الناس به منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. هو عنوان لحقيقة قديمة بدأت مع الخلق وسايرت حياة البشر وتسلسلت مع جميع الأنبياء والمرسلين الذين وصلوا الناس بربهم الأعلى وعرفوهم ما يريده من عباده، "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ".
العبادة هي كل أمر جامع يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة كالخشية والرجاء والتوكل والتوبة، والظاهرة كالصلاة والصيام والزكاة والحج.
وحري بنا ونحن في هذه الأيام التي يتوافد فيها المسلمون من كل مكان إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج أن نقف على مقاصد هذه العبادة التي نحتاجها اليوم على مستوى الفرد والأمة:
التسليم والانقياد
المسلم لايسمي مسلما إلا عندما يستسلم لله وينقاد له فلا يعترض على أوامره ولا يرد أحكامه. وإن الحج لمن أعظم العبادات التي يتجلي فيها الانقياد التام لله والمتابعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحاج حينما يؤدي أعمالا غير معقولة المعنى لايدري ما الحكمة منها، يكون ذلك أعظم دافع له على التسليم والانقياد لله.
فريضة الحج تحث على أن نتحاكم إلى شريعة الله وأن نتذكر عند وقوع الاختلاف أننا إخوة وأن وحدتنا هي جبهتنا الداخلية |
لو سأل الحاج نفسه: لماذا مكة؟ ولماذا اختار الله هذه الشهور الثلاثة (شوال، ذو القعدة، ذو الحجة)؟ ولماذا لانؤدي الحج في ملابسنا المعتادة، ولماذا تكون ملابس الإحرام بيضاء، ولماذا نطوف سبعا، ولماذا نستلم الحجر ونقبله، لماذا نقف بعرفة؟
لو سأل نفسه هذه الأسئلة سيقف مستسلما لله ومعلنا انقياده: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.
الوحدة والإخاء
فريضة الحج واحدة من فرائض الإسلام التي جاءت لتؤكد على وحدة هذه الأمة "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، وتذكّر بأن ما أصاب هذه الأمة من هوان وضعف، إنما كان بسبب الفرقة والانقسام.
مناسك الحج كالطواف حول الكعبة والوقوف بعرفة تجمع القلوب وتذيب الفوارق وتمزج الثقافات وتوحد الشعارات وتخفي كل مظاهر الإقليمية، فلا فرق بين عربي وعجمي أو بين أبيض وأسود. الكل سواسية لتبقى أخوة الإسلام، فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحج. وبدافع من الإيمان يتعارفون ويتفاهمون ويتكافلون.
إحياء روح الجهاد
تتجلى في فريضة الحج التربية الجهادية في تحمل زحام الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمرات. وتشتد ذروة التربية الجهادية أول أيام عيد الأضحى حيث يجتمع فيه رمي الجمرات والحلق والتقصير والنحر والطواف بالبيت.
هذا كله يتطلب من الحاج أن يكون قوي الجسم لكي يستطيع تحمل هذه المشاق وفي هذا تذكير بأن روح الجهاد في الأمة لابد أن تبقى حية لنرفع عن كواهلنا ذلا طال أمده وعم خطبه.
إذن نستطيع القول إن فريضة الحج تحث على أن نتحاكم إلى شريعة الله وأن نتذكر عند وقوع الاختلاف أننا إخوة وأن وحدتنا هي جبهتنا الداخلية وسر قوتنا أمام أعداء يتربصون بنا ويكيدون لنا. وليس لنا غير الجهاد لمواجهتهم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.