شعار قسم مدونات

كن لنفسك الصديق المبهج

blog صديق

كثر الحديث عن السعادة تلك الضالة المنشودة التى يلهث الناس للحصول عليها وتختلف وجهات النظر حول السبيل إلى تحقيقها، فمنهم من يراها فى المال ومنهم من يراها في المنصب والنفوذ ومنهم من يراها في النجاح المهني، والحقيقة أنها قد تكون في كل ما سبق وقد تكون في تفاصيل صغيرة أبسط من ذلك، فالمقياس يختلف باختلاف الشخص ولكن الحقيقة الأكيدة في رحلة البحث عن تلك السعادة المنشودة هو أنها غير قابلة للاستيراد.
 

نعم فالسعادة مُنتج محلى مائة بالمائة؛ فمن ليس لديه استعداد لأن يكون سعيداً لن يكون ولو أُحيط بملء الأرض من أشخاص يريدون إسعاده، فالسعادة طاقة كامنة فى النفس يمكن للإنسان استجلابها وتفجيرها متى أراد، فيسعد بتفاصيل حياته البسيطة ويستمتع بكل ما أُحيط به من نعم.
 

ليست السعادة فقط في تلقي الاهتمام والحب ممن حولنا، لكن في العطاء سعادة لا يعرفها إلا من جربها.

لا تحاول استيراد سعادتك
مسكين حقاً من ربط سعادته بالبشر، بإقبال أحدهم أو إدباره، مسكين من اعتمد فى إسعاد نفسه على مصادر خارجية، فلن يستطيع أحد إسعادك ما دُمت أنت تفقد الرغبة فى ذلك؛ لذا كن لنفسك مصدر سعادتها وفرحها، كن لها الطاقة الإيجابية الباعثة على الفرح والسرور، بل كن لها الصديق الحريص المحب؛ قد يُحبك من حولك ويتمنون لك السعادة ولكن لكل إنسان مايشغله؛ فلن تجد منهم تلك المتابعة اللصيقة التى تساعدك على الوصول لسعادتك المنشودة.

لذا لا مفر من أن تُسعد نفسك بنفسك وتجلب الفرح إلى قلبك من داخله وليس من أى مصدر آخر فى زمن كثرت فيه المآسى فلا تثقل قلبك بمزيد من الهم لأنه ببساطة لايستحق منك ذلك، تجاهل ما يؤذيك ويُكدر صفوك ويجرح مشاعرك، كن لنفسك الصديق المُبهج.
 

السعادة فى العطاء وفي التفاصيل الصغيرة في حياتنا
ليست السعادة فقط في تلقي الاهتمام والحب ممن حولنا، لكن فى العطاء سعادة لا يعرفها إلا من جربها؛ فالتفاعل مع مشاعر الآخرين وآلامهم وآمالهم سعادة، فى تفقد أحدهم والاهتمام بمشكلته سعادة، فى إدخال السرور إلى قلوب من حولنا سعادة، الإبتسام لمن نعرف ومن لا نعرف سعادة.
 

السعادة في أن نستمتع بالتفاصيل الصغيرة فى حياتنا؛ كإحتساء فنجان من القهوة مع من نحب.. أو تشارك أحد وجباتنا مع صديق مقرب فى عطلة نهاية الأسبوع.. أو التمشية فى الهواء الطلق ونحن نستمع إلى أغنيتنا المفضلة.. أو مهاتفة أحد أفراد العائلة، الكثير والكثير من التفاصيل الصغيرة والتى قد نؤديها بشكل روتينى؛ لكن مجرد الوقوف عندها والإستمتاع بها يُدخل البهجة إلى نفوسنا ويزيد من رصيد سعادتنا.

لا تكترث لتصرفات أحد
ومن أكبر مداخل السعادة إلى النفس البشرية عدم التركيز مع تصرفات الآخرين أو بمعنى أدق تجاهلها؛ فلو دقق الإنسان فى كل موقف يحدث معه لكانت مأساة، فبالتأكيد سيتعكر مزاجه وتتشوه معالم الراحة والسكينة فى نفسه؛ فليس من الحكمة أن ننغص حياتنا بالتفكير فى كل شاردة وواردة من تصرفات البشر؛ فالأنفع هو تجاهل تلك التصرفات قدر المستطاع وعدم التفكير فيها أو استرجاعها، لأن النفس البشرية حبيسة أفكارها، لذا فلنفكر فى كل ماهو إيجابى ومبهج، فالعمر أثمن من أن نضيع لحظاته فى التدقيق فى تصرفات هذا أو كلمات هذا أو تقصير هذا.

لذا لا تعاتب أحد ولا تنتظر الإهتمام من أحد، فقط إفعل ما عليك لترضى ربك وتكسب نفسك وسلامك الداخلى دون الالتفات إلى ردود أفعال البشر أو إنتظار نفس المعاملة منهم.
 

لو تُركت السعادة تحت سيطرة البشر لتعست البشرية، ولكن الله بلطفه ورحمته جعلها شعورا داخليا لدى الإنسان يمكنه استجلابه لنفسه

لا تجتر الذكريات المؤلمة
قد يحلو للبعض دوام تذكر عذابات السنين الفائتة أو إستحضار ذكر مواقف وأزمات قد انتهت ومضى عليها الكثير من الوقت.. وقد تجد آخرين يستسلمون لأحزانهم فيعيش الواحد منهم داخل بوتقة حزنه لفترات طويلة لدرجة تجعل الحزن يصبح رفيقه الدائم فيعتاده بدرجة ربما تجعله يفقد شعوره وإستمتاعه بأية أفراح قد تحدث له لاحقاً.

بالطبع نحن بشر لنا مشاعر وتقلبات مزاجية ولا بد لنا من التفاعل مع ما يمر بنا من أزمات ولكنني أتحدث هنا عن المبالغة فى التفاعل مع الألم والحزن والاستسلام لهما بالشكل الذى يفقد الإنسان قوته النفسية ويتركه نهباً لليأس والحزن ويحرمه مباهج الحياة التى منحنا الله إياها؛ فنحن لم نُخلق لنعيش الشقاء ولكننا خُلقنا لنؤدى رسالتنا فى الحياة بالتزامن مع الاستمتاع بهذه الحياة؛ ولم تُخلق التحديات والأزمات لتقضى علينا بل وضعها الله سبحانه فى طريقنا لتقوينا وتعلمنا كيف نجتازها ونواجهها وننتصر عليها.
 

نحن مأمورون بالفرح
ومن جميل لطف الله سبحانه بالإنسان أن جعل له منطلقات ربانية للسعادة والفرح فقال عز وجل فى سورة يونس (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) 58، وقيل إن المقصود بالفضل هنا الإسلام، والمقصود بالرحمة القرآن.

ولا شك في أنهما أكبر نعمتان أنعم الله بهما على البشرية، فإذا كنا مأمورين بالفرح بهما فمن الأولى بنا أن نفرح بكل ما هو دونهما من نعم ونحتفي بكل تفصيلات حياتنا كي نحصل على تلك السعادة المنشودة، فلو تُركت السعادة تحت سيطرة البشر لتعست البشرية ولكن جعلها الله بلطفه ورحمته شعورا داخليا لدى الإنسان يمكنه استجلابه بنفسه لنفسه وأمرنا بذلك وجعل السعادة قرينة الطاعة والإيمان.

قد يمر الإنسان فى مواقف حياته اليومية بما يجلب له الحزن والهم ويفجر بداخله طاقة سلبية تحول دون شعوره بالسعادة وقد تجتاحه مشكلة تعصف به وتقعده عن التفكير وهنا لم يتركنا الله سبحانه نهباً لليأس والحزن بل جعل لنا من الوصفات الربانية مايدفع عنا الحزن والهم ويجلب الفرح والسكينة إلى النفس فيستطيع الإنسان بعد ذلك أن يرتب أفكاره ويخطط للخروج من أزمته.

ومن هذه الوصفات الربانية على سبيل المثال لا الحصر ما جاء فى الحديث الصحيح: حيث اشتكى أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم من هموم وديون عليه فقال له صلى الله عليه وسلم: (أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي).

وأخيراً فإن مقالي ليس وصفة سحرية للسعادة ولكنه محاولة للاقتراب من مداخل النفس وتفاعلاتها.. وهذا ما تكشف لي حتى الآن من حلول قد تساهم فى الوصول إلى السلام النفسي، وبالتأكيد أنت أيضاً تحاول.. وسواء كنت توصلت إلى نفس حلولي أو اكتشفت حلولاً أخرى خاصة بك أو كنت لا تزال مستمراً في البحث، فعلى كل حال "كن لنفسك الصديق المُبهج".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.