شعار قسم مدونات

قصتي بين التنظيم والكازينو

blog-داعش

يعتبر التطرف ظاهرة موجودة في جميع الأمم والحضارات والأديان وكذلك الأعراق، كما أن علاج التطرف واستئصاله صعب جدا وغالبا ما تفشل المساعي في ذلك، فمثلا رغم كل التوعية والتحذير من العنصرية منذ أكثر من قرن فإنها ما زالت موجودة في زمننا، ولعل ما يعرف في يومنا هذا بتنظيم الدولة هو أحد أخطر أنواع التطرف الديني وأكثرها تداولا في وقتنا هذا.

الحرب النفسية التي يستعملها التنظيم تبين لنا أننا أمام عمل استخباراتي محترف  للتأثير على ضحاياه

هنا لدينا قصة كمال، وكيف أصبح مايكل ومن ثم أبو دجانة المغربي، كمال شاب عادي يعيش في حي فقير،  يستيقظ صباحا للعمل حتى يؤمّن قوت يومه، كمال لم يكمل دراسته الجامعية، وكيف يكملها وهو لم يدخل للمدرسة أساسا؟ والد كمال منشغل أيضا بين زوجتيه وعمله، لا يرى ابنه إلا يوما واحدا في الأسبوع، وفي هذا اليوم يعاتبه ويؤنبه فقط.

صديقنا كمال هو البيئة المناسبة لتجار السوء، ولهذا بمجرد بلوغ كمال العشر سنوات بدأت مسيرته الاحترافية في الضياع، كمال بدأ بسرقة أشياء بسيطة ومن ثم بيعها، مما يعني أن كمال بدأ في التحول من الكائن الخيّر إلى الكائن الشرير، بدأ في التحول من الضحية إلى الجلاد، كمال بدأ في التحول إلى مايكل تاجر المخدرات.

يتميز تنظيم داعش عن غيره من التنظيمات المتطرفة باهتمامه بالجانب النفسي للتأثير على ضحاياه،  فالحرب النفسية والنظريات النفسية التي يستعملها التنظيم تبين لنا أننا أمام عمل استخباراتي محترف يعتمد الأساس النظري والتطبيق العملي للتأثير على ضحاياه.

جميعنا سمعنا بتجربة سجن ستانفورد وكيف تحول بعض الطلبة الجامعيين إلى سجانين وقاموا بضرب وتعذيب زملائهم ممن عاش دور المسجون. ويعزو زيمباردو -صاحب هذه التجربة- هذا السلوك إلى ثلاثة عوامل:
– جميعنا لدينا قابلية لنكون أشرارا و لبيئتنا ومجتمعنا تأثير في هذا، فلا يوجد شخص طيب بفطرته وآخر شرير، بل هي عوامل مرتبطة ببعضها.
– التكوين النفسي للشخص ذاته وحياته الشخصية.
– السياق الآني الذي يمر به الشخص في وقت من الأوقات، فهو قد يكون نقطة البداية للتحول من الخير إلى الشر.

يتبين لنا مما سبق أن كل الظروف مثالية ليكون كمال شريرا،  كمال -أو كما يسمي نفسه اليوم مايكل- شرير وهو يعلم هذا في قرارة نفسه ويعاني أحيانا من تأنيب الضمير وهو الجانب الخيّر الموجود فينا جميعا، وفي لحظة آنية يقرر مايكل أن يغير من نفسه ليكون إنسانا أفضل، أصبح يفكر في الصلاة والذهاب إلى المسجد وبدون خلفية وأساس ديني سليم.

من سبل علاج التطرف تربية النشء على التحكم في غضبه وطرق تفريغ الطاقة السلبية لديه، وتعليمه التفريق بين الغضب والسلوك

يعتبر كمال كالعزالة بين قطيع الضباع، الكل يريد أن يأكل منها أو يأخذها لنفسه، وكما تحدثنا سابقا عن براعة التنظيم في استقطاب ضحاياه، هكذا أصبح مايكل هو أبو دجانة المغربي، وهذا التنظيم احترافي ويستغل الفراغ المعرفي لدى كمال ليملأه بما يريد، وهو أيضا ما يفسر لنا غياب علماء الدين عن هذا التنظيم، فمثلا نسمع عن الخليفة ولكنا لا نعرف شيئا عن المفتي الخاص بالتنظيم، لا نرى لهم كتبا أو مجلدات،  كل إصداراتهم عبارة عن مقاطع تعبوية أو كتيبات للجيب، حتى أحكام الدين يأخذونها من علماء يرونهم كفارا.

والآن كل شيء واضح بالنسبة لهذا التنظيم وكذلك علاجه واستئصال هذا الورم يكمن في ثلاث نقاط:
1- تربية النشء على التحكم في غضبهم وطرق تفريغ الطاقة السلبية لديهم، وتعليمهم التفريق بين الغضب والسلوك، فمن الطبيعي أن يغضب الإنسان ولكن يجب أن لا ينتقم لنفسه.
2 – تصميم برنامج وقاية وفق أسس علمية ودراسات نفسية وتحديد الفئة المستهدفة من الشباب من قبل التنظيم.
3 – تبني خطاب إعلامي فعال وغير تقليدي، مثل ذلك الذي يستعمله التنظيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.