شعار قسم مدونات

دوّن لي

blogs-jor
لا أريد أن تصبح صورتي هماً ثقيلا يطاردك.. ولكني أريدك أن تتمثلها في قضاياك وكتاباتك وتغريداتك حتى ترسو سفينة الحرية على شواطئنا.
أريدك أن تكتب لي، أطلب منك أن ترى صورتي الغائبة وسط آلاف أو ملايين أو مليارات الصور التي تتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يوميا في فيسبوك وتويتر وإنستغرام.
لا أريدك أن تنسى جلستنا سوياً أو عملنا سوياً أو حتى مهنتنا التي كانت يفترض أن تجعلك تدوّن لي.. دوّن لي، أنا الصحفي المنسي في غياهب سجون العسكر في مصر.. غير أني لم أجد قناة إعلامية شهيرة تدافع عني.. أو حملة ذائعة الصيت تتبنى قضيتي، أو إعلاميين كباراً يتبارون للكتابة عن مآثري في صفحاتهم فتحصد (اللايكات) والإعجابات والمناشدات لإطلاق سراحي.
أنا ذاك الشخص – الذي ليس معه جنسية أخرى – حمل كاميرته وظنّ أنها ستنقل صورة المقهورين والمقتلوين والمشردين فإذا بها تغيّب صورته أولا.. وأنا ذاك الشخص الذي أمسك بقلمه في صحيفة مغمورة ليكتب عن الحرية والعدل والمساواة فإذا به وسط الجنائيين محروما من أبسط مقومات العيش.. فلا إنسانية ولا كرامة ولا حقوق.

أريدك حين تمسك قلمك أن تتذكرني وأن تمر صورتي في مخيلتك.. أريدك حين تعود من عملك ملهوفا لأولادك أن تستحضر جلستي في زنزانة حقيرة بعيداً عن أهلي وأولادي وزوجتي ومكتبي وحياتي وأصدقائي.

أعلم أن لديك متسع من الكلمات وبعضا من التغريدات التي تحتار كيف تملؤها، وصورة لم تلتقطها عدستك فلتجعلها لي ولأبنائي ولقضيتي.
أتمنى منك حين تقّبل أبناءك على وجنتيهم أن تتذكر أني أقبع هنا منذ أن قررت أن أقف في صف الحقيقة والوطن والكرامة بحثا عن مستقبل لأبنائنا معاً فلا تبخل على أبنائي باتصال أو رسالة تفقد أو حتى متابعة لصفحاتهم.
نعم، أعلم أن هموم الحياة تلاحقك وأن أعباءها تطاردك، وأنك تقضي جلّ وقتك مطارداً من الالتزامات، كل ذلك أعلمه، لكني أعلم أن لديك متسع من الكلمات وبعضا من التغريدات التي تحتار كيف تملؤها، وصورة لم تلتقطها عدستك فلتجعلها لي ولأبنائي ولقضيتي.

كم من مرة ذكرت اسمي على صفحتك، أو في تغريدتك،،أو نشرت صورتي على "انستغرامك"!

دوّن لي حتى تمضي مسيرتنا معاً.. حتى يبقى حلمنا حياً، حتى لا يقصف قلمك، حتى تبقى كاميرتك، حتى تبقى تغريداتك.. فأنا وأنت قلم وورق، كاميرا وصورة، متكاملان لا ينفصلان، حتى وإن اختلفت توجهاتنا السياسية لكن أخلاقنا الإنسانية واحدة.

مازلت أذكر ذلك الحلم الذي راودنا سويا – ولا يزال – بوطن لا يقيد الحريات ولا يلاحق الصحافيين ولا يعتقل الكلمة.. ألا تحلم بالحرية مثلي، ألا تشتاق لوطن كريم، ألا ترنو لمستقبل واعد لأبنائك، قبل أن يكون لنا، أنا هنا في زنزانتي دفاعا عن ذلك. دفاعا عن الغد والمستقبل وبحثا عن الحاصر.

فهل تقرر أن تنضم إليّ من مكانك ومن مكتبك ومن عدستك ومن قلمك قبل أن تنضم إلي في مكاني، فتدوّن لي.

توقيع
صحفي معتقل في مصر، وما أكثرهم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.