شعار قسم مدونات

بيني وبين نفسي.. فيسبوك!

blogs-facebook
ترتبط عبارة "مواقع التواصل الاجتماعي" داخل أذهاننا بمفاهيم عديدة، أوّلها -ربّما- حريّة التعبير عن الرأي؛ مساحةٌ لا محدودة للتعبير عمّا نريد وبأي أسلوبٍ نريد. لكن لحظة، أحقاً نحن نعبّر عن آرائنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أم أنّنا نعبّر عن آراءِ غيرِنا من خلالِ لوحاتِ المفاتيح خاصتنا، أم أنّنا نعبّر عن آرائنا بالفعل أما البشر الآخرون فلا يحق لهم ذلك ، خاصةً إن كانت آراؤهم حادةً مصوّبةً تجاهنا؟

الحساب المفضّل لديّ في مواقع التواصل الاجتماعيّ هو حسابي في فيسبوك، لكنّني منذ فترةٍ وجيزة أدركت ماذا يسلب منّي ، وأدركت أن حياتي قبله كانت أفضل كثيراً من عدة نواحي ، أهمّها الجلد على المهام حتّى إتمامها على أكمَلِ وجه ، أما الآن – مع وجوده – لا أستطيع أن أتمّ ساعةً واحدة من العمل الجاد – غالباً – إلّا و أكون قد ألقيت نظرةً أو اثنتين – ولو كانتا سريعتين – على ما جرى في ذلك العالم الأزرق ؛ الشيّق – حقيقةً – بالنسبة لي ، والذي يحتلّ جزءً كبيراً – نسبياً – في حياتي ويمنحني الكثير .

من خلال فيسبوك دخلت لرأسي الكثير من الأفكار ، وأحسست بالكثير من المشاعر ، قرأت الكثير من قصص النجاح والفشل في مجالاتٍ متعدّدة ، وتعلّمت منها ، دخلت الكثير من المجموعات المفيدة و نوادي القراءة ، وعلمت الكثير عن بعض الكتب ، تابعت المشاهير ، الذين سافروا حول العالم ووثقّوا ذلك في فيسبوك، العديد من صانعي الأفلام والمصوّرين والإعلاميين ، وفهمت أهميّة وظائفهم التي كانت بعيدةً عن مجال تفكيري كلّ البعد ! و فهمت أكثر بعض أغاني فيروز . كان فيسبوك حلقة وصلٍ بيني وبين بعض المبادرات التطوعية التي انضممت إليها ، كما كانَ سبباً في حضوري العديد من الأحداث المهمة ، المؤتمرات و ورشات العمل المختلفة والمفيدة ، والأهم من كلّ ذلك بالنسبة لي ؛ أتاح فيسبوك لي الفرصة في أن أقول – وأُحسِن التعبير – عمّا يجول في خاطري ، أكسبني الجرأة لقول ما أريد – و ربّما – في وجه من أريد بغض النظر عن رأي الآخرين فيه ، والأجمل ، أن امتدت هذه الجرأة حتّى العالم الحقيقي ، بل إنّ فوائد فيسبوك -الفكرية- تكاد لا تُعَد.

 ساعات وساعات أمام شاشة الحاسوب أقرأ قصصاً كثيرة ومختلفة وأعيشها بكل تفاصيلها بعيداً عن تفاصيل حياتي

لكن …
انجرفت لجمال كلّ ما سبق بعيداً عن كتبي الدراسية وعن عائلتي ، أصبحت أريد أفكاراً أكثر ، أكثر حتّى مما أريد إنجازه ، وأكثر مما أحتاجه . أصبحت أطرب أكثر لفيروز كلّ صباح ، أصبحت أبحث في غوغل أكثر عن إعلامٍ مفيد ، واستمع له أو أشاهده . ساعات وساعات أمام شاشة الحاسوب اقرأ قصصاً كثيرة ومختلفة وأعيشها بكل تفاصيلها ، بعيداً عن تفاصيل حياتي . كل ورشات العمل و الأحداث المهمة ، كانت تأخذ جزءً كبيراً من وقت واجباتي الدراسية والمنزلية ، حتّى أنها كانت تسلب الكثير من وقت واجباتي اتجاه نفسي ، ومع هذا لَم أستطع الابتعاد عنها ! في فيسبوك ننبهر بكلّ فكرة جديدة ، كثرة الأفكار الجديدة أصابتني بالملل ! أفكارٌ كثيرة ومدخلاتٌ مكرّرة تتدّفق باستمرار ، والعمل الجاد الهادف ؟ أقلُّ بكثير .

ماذا نريد من فيسبوك؟
أعتقد بأنّ الإجابة على هذا السؤال كفيلةٌ بأن تُرينا كم نحتاج من وقتٍ نمضيه في ذلك العالم الأزرق ومتى نسجّل الدخول ثم نسجّل الخروج ، وكيف نمضي ما بينهما . لكن ، هل نحن كبشر نستطيع أن نغضّ الطرف عن كل ما يمرّ من أمامنا عدا ما نحتاج فعلياً ؟ لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يحصل بسهولة .

كما سبق وقلت نحن نقول ما نريد … و نسمع ما نريد أيضاً
بكبسة زرٍ واحدة نستطيع حجب كلّ من نعتبره ( غبيّ ) ، ( سخيف ) ، ( ضال ) … الخ ، نحن نستطيع حجب كلّ من لا يشبهنا فيما نريد له أن يكون ، وهذا قد يساعد شخصاً ما في الحفاظ على ما لديه من أفكار مما يؤدي لشح المخرجات الجديدة ، كما قد يساعد في تماديه بالإساءة إلى رأيٍ – أو أيديولوجية أو دين … الخ – مغايرٍ لِما يتخذه هو مسلكاً له ، فالأمر ببساطة ، حريةٌ شخصية ومنصةٌ مفتوحةٌ للجميع . إن كنتَ من مستخدمي فيسبوك فلا بدّ أنّك تعرضت يوماً لاتهامٍ بالتدخل فيما لا يعنيك ، أو بأنّك شخصٌ هجومي ، أو حتّى بأنّ كلّ ما تقوله هراء ، أو ما شابه ذلك ، إلّا إن كنت من المصفقين دوماً أصحاب الجُمَل من نفس نوع : ( كلامك سليم تماماً ) ، ( رائع ) ، ( أوافقك ) .. الخ ، تتبعها عبارات المديح الأخّاذة . لا يمكن لإنسانٍ صريحٍ مع ( نفسه ) أن ينكر أمام ( نفسه ) كم يُعجَبُ بـ ( نفسه ) عندما يرى تعليقاتٍ كثيرة من هذا القبيل ، كما لا يمكن أن ينكر – لِنفسه – امتعاضه من تعليقٍ مغايرٍ لما نشره ، أو على الأقل هذه هي ردّات الفعل الأولى للمواقف السابقة . البعض يستسلم لها ، والبعض الآخر لا .

ما الحل ؟
لا أعلم . كثيراً ما حاولت إلغاء حسابي في فيسبوك تماماً ، لكنّني لم أفعل ! لقد شقّ عليّ أن أترك كل – المصفقين ربّما – الذين يتفقون معي ، وأعود للعالم الحقيقي ، حيث الرد بِـ " لا " أقوى وقعاً وصدى ، شقّ علي أن أترك كلّ هذا الجمال وأعود للواقع حيث الأشياء المزعجة تحتاج لأكثر من "حظر" حتّى تختفي ، شقّ عليّ ترك كل هذا الكمّ الهائل من الأفكار والقضايا المطروحة للنقاش ، لتمرّ دون أن أقول رأيي ( الرائع ) فيها . كنت قد أدمنت واتسأب في السنة الأولى من الجامعة ، والفطام لمدة عام أتى بنتيجة حقيقية ، فحتّى بعد أن عدت لاستخدامه لم أفعل إلّا للضرورة . ترك فيسبوك تماماً للأبد ، ليس حلاً برأيي ، علينا بكلّ جدية مقاومة الاندفاع اتجاه ما يمر أمامنا فيه ، علينا جدياً التفكير بأسلوب – قد يختلف من شخص لآخر – للتعامل مع كلّ ما يرد فيه ، أسلوبٌ يجنّبنا سلبياته الكثيرة ، ولكن يمنحنا إيجابياته الكثيرةَ أيضاً .

أكاد أتمزق بين رغبتي بأن يسمعني أحدٌ ما ويفهمني ، وبين إعجابي المقيت بنفسي – ولو لحظياً – رغم إدراكي لحجمي الضئيل جداً بالنسبة لهذا العالم … وفيسبوك؟ يستنزفني مستغلاً هشاشتي هذه … ربّما . 

آسفة على كلّ ما قد يبدو تعميماً ، ما ورد في هذه المدوّنة لم يكن إلّا صدقُ تجربةٍ شخصية لمدة 3 سنواتٍ (فيسبوكيّة).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.