شعار قسم مدونات

النحلة التي أرق طنينها السيسي

blogs masri

"أي بني، يقول الأطباء إن الأمر يوشك أن ينتهي وأنا أقول إنه يوشك أن يبدأ، فحياة المؤمنين تبدأ بنهاية الحياه الفانية في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فلا أقول إلى وداع بل إلى لقاء".

بهذه الكلمات كتب الأستاذ إيهاب حسن ينعى ولده مهند الذي أوشك أن يفارق ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كلمات تحمل معاني كبيرة من الأسى والحزن جعلتني أستعيد تلك اللحظات التي عايشت مهند.

مرت الأيام وكان نحلة اسما على مسمى لم يكف طنينه حتى بعد الانقلاب الدموي الذي بدأ أول ما بدأ بقتل الشباب.

عرفته طفلا صغيرا يملأ الدنيا بابتسامة معبقة بالود، كانت رؤيته قادما مع أبيه الأستاذ إيهاب إلى مكتبنا تكفي لكي ترسم البسمة على ملامحنا جميعا، كان وحيدا فجعلنا جميعا أهله.

كانت اهتماماته هي اهتمامات أي طفل في مثل عمره، حتى أتت ثورة يناير فكانت الميلاد الثاني لمهند وعاملا مهما فى تشكيل شخصيته التي عاش بها بيننا يبث بها فينا الأمل ساعيا إلى المحافظة على روح الثورة فيمن حوله.

كان "نحلة" متصدرا للصفوف ما بين محمول على الأعناق يهتف أو حاملا  لرفيق دربه البطل عمر عاطف (الذي مازال معتقلا ولنا معه قصه وحكاية أخرى). لم يترك مهند حدثا في الثورة إلا وشارك فيه محاولا أن ينهل من نهر الحرية ما يروي به ظمأه.

لقد ولد "نحلة/مهند" من جديد وسط قنابل الغاز وطلقات الرصاص وأكسبه الميدان صلابة نادرة لمن فى عمره. رأيته مشاركا في فعاليات كثيرة منها الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في الإسكندرية يوم أن سرنا من مسجد القائد إبراهيم فجرا حتى مقر قنصلية الكيان الغاصب فى الإسكندرية، ورأيته مشاركا في فعاليات الألتراس ضد المجلس العسكري.

ومرت الأيام وكان نحلة اسما على مسمى، لم يكف طنينه حتى بعد الانقلاب الدموي الذي بدأ أول ما بدأ بقتل الشباب وشارك نحلة فى كل الفعاليات الرافضة للانقلاب حتى اعتقل.

اعتقل مهند ثلاث مرات؛ مرتان منها وهو مازال حدثا وخرج من السجن وقد ترك السجن عليه أثرا. وكما السرطان الذي أصاب مصر خرج نحلة مصابا بسرطان الدم فى حالة حرجة، ورغم المرض خرج مهند ثابتا صامدا لم يلن في يد ظالم ولم تخضعه سياط الجلادين.

ضرب نحلة بنفسه المثل فى الثبات على طريق الحرية، فالثورة رسمت لأبنائها خطا واضحا وإن كان في الطريق عثرات.

حكى مهند عما لقيه  فى سجون السيسي وكيف حاولوا أن يكسروهم ويكسروا فيهم الحلم والإرادة وحكى كيف قاوم هو وأقرانه وكيف صمد وكيف ثبت.

لقد ذاق مهند حلاوة الحرية في قلبه فكان عصيا على الانكسار مؤمنا بالطريق ومثل مهند في السجون كثيرون فشل السيسي في قتلهم في الميادين فأتى بهم ليقتلهم ببطء في عنابر الموت البغيضة ورغم ما بهم لم ينكسروا ولم يخضعوا.

فشل السيسي رغم كل ما فعله في نحلة وما يفعله في رفاقه في السجون، فإن ارتقى نحلة فما زالت فى الخلية آلاف يدافعون عنها.

لقد ضرب نحلة بنفسه المثل فى الثبات على طريق الحرية، فالثورة رسمت لأبنائها خطا واضحا وإن كان في الطريق عثرات، فاليأس خيانة والإحباط خيانة والتراجع خيانة.

تذكروا نحلة دوما ولا تنسوه فى دعائكم.. وانتظروا آلاف النحلات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.