شعار قسم مدونات

"هنغاري".. عاشق في مكة

blog-الكعبة

مدينتي المقدسة، لا تشبهها مدينة، متفردة في كل شيء، أقسم بها الله عز وجل، وأعلنها صراحة رسوله الكريم بأنها أحب بقاع الأرض إليه، هي المدينة المحرمة دخول غير المسلمين إليها، إذ أن الله جعلها موطنا خاصا بالمسلمين فقط.

قبل ستة أعوام كان الهنغاري عبد الحق كادي، ذو الأربعين ربيعا يستمع لخطبة الجمعة في مسجد دار السلام،  في العاصمة المجرية "بودابست" كان الحديث مختلفا وغريبا بعض الشيء وكأنه يسمعه لأول مرة، إذ أن الخطيب يتحدث عن قبلة المسلمين مكة والخصائص التي يتفرد بها البيت الحرام.

إن المسلمين يعتبرون أن زيارة المسجد الأقصى في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي شرعنة لاحتلالهم ويعد ذلك نوعا من التطبيع مع العدو.

ولماذا اختار الله تعالى بيته الحرام، وفضله على سائر بقاع الأرض، وخصه بأنه أول بيت وضع للناس، وجعله مباركا وهدى للعالمين، وجعله حرما آمنا فلا يسفك فيه دم، ولا يقطع فيه شجر، ولا ينفر فيه صيد، ولهذا كانوا في الجاهلية – على شركهم – يحترمونه أشد الإحترام، ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم، فلا يقتص منه، فلما جاء الإسلام، زاده حرمة وتعظيما.

ومن همَّ فيه بالسوء –وإن لم يفعله- يذقه الله العذاب الأليم، وإنه حرام على المشركين، وجعله الله سبحانه قبلة للناس يتوجهون إليه أينما كانوا، إن هم للصلاة أرادوا، وعظم النبي شأنها وشأوها، فنهى عن استقبالها أو استدبارها ببول أو غائط، وضاعف الله فيها ثواب الصلاة بمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ".

ويضيف عبد الحق سمعت في تلك الخطبة ما لم أسمعه في حياتي، وأصابتني سهام العشق لتلك المدينة البعيدة، وقررت القدوم إلى مكة لأرى مفاتنها، وألوذ باحضانها، وتحقق ذلك لي بأداء مناسك العمرة في رمضان الماضي.

حيث قابلته في سطح المسجد الحرام بعد صلاة التراويح، إذ طرح علي سؤالا لم أستطع الإجابة عليه بشكلا مقنع لكونه قادم من وسط أوروبا وقناعتهم بإسرائيل قد تختلف عن قناعاتنا بها وأسلوب تعاطينا مع القضية الفلسطينية يختلف عن أسلوب تعاطيهم معها ( قال ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى" وتحقق لي ولكثير من المسلمين زيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي فهل يجوز لي وللمسلمين زيارة المسجد الأقصى في هذا الوقت دون أن يشير إلى الإحتلال الإسرائيلي) فأخبرته أن المسلمين يعتبرون أن زيارة المسجد الأقصى في ظل وجود الإحتلال الإسرائيلي شرعنة لاحتلالهم ويعد ذلك نوعا من التطبيع مع العدو.

لكنه عاد ليطرح سؤلا في ذات السياق.. وهل يعد هذا سببا كافيا لحرمان المسلمين من زيارة الأقصى ؟ ولماذا لا تكون زيارة الأعداد الكبيرة من المسلمين تأكيدا للعالم بأن الأقصى ملكا للمسلمين وحدهم دون سواهم؟ فابتسمت وأخبرته أن نقاشنا في هذا نتيجته حتمية ولن يفضي إلى شيء وهو نقاش يفترض أن يكون مسؤولية علماء المسلمين.

لكن عبد الحق حينما شعر لوهلة أنني أريد إغلاق هذا الملف أدار الحوار إلى اتجاه آخر، وتساءل كيف تعيش مكة إجواء الحج إذ أنه يعتزم أداء الفريضة ومتشوقا للعودة من جديد لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام في حال تيسر له ذلك.

فأخبرته أن مكة المكرمة تعيش موسمين العمرة والحج وهما فترتان تستمر طيلة العام في الإعداد والتجهيز لهما، وأهل مكة في خدمة دائمة للمعتمرين والحجاج وأجهزة الدولة تنظم خططها متزامنة مع هذين الحدثين الكبيرين، إلا أن موسم العمرة يعد أسهل بكثير من الحج لكون العمرة يجوز أدائها في أي يوم من أيام السنة بينما الحج يجب أن تؤدى مناسكه في مكان وزمان واحد وفي أيام معدودات.

عبد الحق : لكن شهر رمضان يشهد الحرم المكي زحاما غير معهود وأدهشتني الأساليب التي يستخدمها رجال الأمن في تنظيم الحشود المتدفقة صوب الكعبة، فكيف يتعاملون مع الحجاج؟

قلت له السعودية تعد من أكثر دول العالم خبرة في إدارة الحشود، وجميع خطط الحج قائمة على كيفية تحريك الكتل البشرية وضمان سلامتهم، بين المشاعر المقدسة والمسجد الحرام وبين طرق منى وعرفات ومزدلفة وبين مشعرمنى ومنشأة الجمرات، وهناك برامج تفويج للجمرات، التصعيد من وإلى عرفات، والنفرة يوم الثاني عشر من ذي الحجة.

كانوا جميعهم يحملون مشاعر فياضة وحالة غريبة من تعلق قلوبهم بالبيت الحرام ومواطن العبادة في المدينة المقدسة.

وأبلغت عبد الحق، أن في مكة المكرمة جناحي خدمة الأول متخصص في خدمات العمرة والثاني متخصص في خدمات الحج ويعملون 12 شهرا لخدمة هذه الشعائرالتعبدية وشعارهم خدمة الحاج والمعتمر شرف ومسئولية.

فالحاج والمعتمر الذي قصد مكة يجب أن تهيأ له كافة الظروف التي تمكنه من قضاء أجواء روحانية خاصة وهم يقصدون البيت الحرام لتكفير ذنوبهم، وستر عيوبهم، ومغفرة أوزارهم، وإقالة عثراتهم، فتراهم وقد قدموا من بلاد بعيدة يرجون رحمته ويخشون عذابه رافعين أكفهم بين الركن والمقام وهم يطوفون في البقعة التي لم يشرع الطواف إلا فيها حول الكعبة المشرفة.

خلال 13 عام من الركض الصحفي بين البيت الحرام والمشاعر المقدسة في مواسم العمرة والحج قابلت العديد من الزوار القادمين من كافة قارات العالم أمثال عبد الحق، وكانوا جميعهم يحملون مشاعر فياضة وحالة غريبة من تعلق قلوبهم بالبيت الحرام ومواطن العبادة في المدينة المقدسة، وتوقهم إليها، وإقبالهم عليها، وشوقهم إليها ليس له مثيل، لا يرجع الطرف عنها حين ينظرهـا حتى يعود إليها الطرف مشتاقا.

وبما أننا على مقربة من موسم الحج وبدأ أهالي مكة في استقبال طلائع الحجيج فإنني ساواصل عبر مدونات سرد تفاصيل حياة ضيوف الرحمن في مكة المقدسة، وسوف أروي قصة عشق جديدة كل آمال صاحبها أن يعود كيوم ولدته أمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.