شعار قسم مدونات

هل يمكن الإندماج مع الألمان؟

Muslims pray in the Sporthalle in Hamburg, Germany, 05 July 2016. The Islamic center al-Nour organized Eid al-Fitr prayer ceremony to mark the end of the holy fasting month of Ramadan.

على الرغم من أننا جميعا من فصيلة البشر ولدينا نفس الحواس، إلا أن مسألة اندماج مع مجتمعات غريبة علينا أمر صعب في أغلب الأحيان وبالغ الصعوبة في بعضها.

 
فقبل وصولي وعائلتي إلى ألمانيا ظننا أننا سنعاني من اختلافات طفيفة في الاندماج مع مجتمع غربي، إلا أنه وبعد عام من إقامتنا في البلد الأوروبي المحافظ أكثر من غيره كهولندا أو فرنسا أو بلجيكا، وجدنا صعوبات بالغة في الاندماج مع المجتمع الألماني.

 
الانضباط في الدور أثناء صعود الحافلات العامة، والانضباط أثناء الحديث مع الألمان وقيادة المركبات، وقطع الطرقات مشيا من الأمور السهلة، التي سرعان ما يتأقلم معها كثير من العرب- وهنا أتكلم على فئة كبيرة من العرب الذين يمكنهم التأقلم مع هذه الأمور- باستثناء ما رحم ربي والذي للأسف لا نعرف تركيبة عقولهم ويحرجوننا في كثير من المواقف أمام الشعب الألماني.

 

ليس من حق ولي الأمر في المجتمع الألماني أي حق على أولاده بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة

ومع أن كل ما سبق سهل بالنسبة لنا طبعا، لكن هناك أمور لا يمكن بتاتا التأقلم معها أو التفكير فيها للأسف، فحرية الذكر و الأنثى فوق العمر القانوني في هذه المجتمعات مفتوحة على مصراعيها بكل ما تعني الكلمة من معنى.

 

فليس من حق ولي الأمر بعد عمر الثامنة عشرة أي حق على أولاده بتاتا في أمور يراها أغلب العرب ضرورية في مجتمعاتنا كتحديد الدراسة التي يجب أن يسلكها الإبن، والأصدقاء الذي يجب أن يرافقهم أو عكس ذلك من أمور لا بد من إبعاد أولادنا عنها لكون الأباء على دراية كبيرة في الحياة ويعرفون الصحيح من الخطأ وخاصة في الأمور التي تتعلق بمستقبل أبنائهم.

 

لن ترى أن الأب أو الأم العربية تغش أطفالها في أمور حياتهم، ويريدان الخير لهم، وهو الأمر ذاته لدى الألمان إلا أن الحواجز القانونية في هذا البلد تحول دون ذلك في العديد من الأمور، فليس من حق الوالدين إجبار الإبن على أمور معينة من مبدأ "المونة" كما نقول بالعامية.

 

تعود مسألة عدم قدرتنا للاندماج في المجتمع الألماني في بعض النواحي إلى مسألة التربية والتعاليم الدينية التي يجب علينا الالتزام بها، وتوجد هنا أشياء مسموح بها بشكل كبير، ولا أعمم على كل الشعب الألماني، بل غالبيته هكذا حيث لا يعنيهم الدين بشيء إلا من رحم ربي.

 

 وأكبر دليل على ذلك هي منصات التوعية المسيحية التي تنتشر في شوارع المدن الكبيرة والصغيرة وحتى القرى، وكلها تدعو للإلتزام بما جاء به سيدنا المسيح بن مريم من أخلاق حميدة، و لا نجد إقبالا على هذه التعاليم من أغلب الشباب، الذين يتلفتون بشكل كامل إلى متاع الحياة الدنيا من أجهزة إلكترونية ونزهات وألعاب وسهر ومرح وهي الأمور التي أقصدها في هذه التدوينة.

 

مسؤولية كبيرة للوالدين
في المدارس الألمانية ليس هناك ذلك اهتمام كبير بمسالة "العيب" وأقصد علاقة مسألة العلاقة بين الجنسين وهي أمور غائبة تماما عن المناهج التعليمية هنا، لكن تعليم الأطفال على أفضل سبل الرقي في الحياة موجودة، ومنها الانضباط في الحياة وحب العمل بل وتقديسه بشكل أكبر بكثير من أمور الدين.


تعود مسألة عدم  القدة على الاندماج في المجتمع الألماني في بعض النواحي إلى مسألة التربية والتعاليم الدينية التي يجب الالتزام بها

وهنا لا بد أن يأتي دور الأهل، لكن للأسف أغلبهم غائبين عنه، ويجب عليهم ملئ ذلك الفراغ الكبير الذي تتركه المدارس في مسألة الحياء والخجل من الجنس الآخر، وهي أمور ضرورية جدا لمن يريد أن يفتخر بأطفاله حين يكبرون، فليس من سبيل لحماية الأطفال في هذه البلاد من الانحراف الأخلاقي سوى اجتهاد الوالدين قدر المستطاع لابعاد أطفالهم عن أمور كارثية بكل مافي الكلمة من معنى.

 

ومع أن الدول الغربية دول رائعة من ناحية التطور والانضباط والالتزام في المسؤوليات، إلا أنها تفتقر إلى الأخلاق التي لا بد لنا كعرب الالتزام بها، وعلمنا غياها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

 

 ومثال بسيط على ذلك أن أغلب الأطفال الألمان لا يقوموا لكبار السن في الباصات، لأنهم لم يتعلموها في الأصل في المدارس، ولا بد لنا أن نلفت نظرهم إلى أن الوقوف لرجل أو امرأة مسنة لإعطائه مكان للجلوس بوسائل النقل العامة أمر بالغ الهمية، وقد لامستها أنا بنفسي فهي تلفت النظر بشكل كبير إلى أخلاقنا الإسلامية.


وتكرار هذه المواقف تدفع أغلب الأطفال الألمان لاتخاذ نفس الخطوات، وهي فطرة طيبة موجودة في نفوسهم لا بد لنا أن نساعدهم على تنميتها، وبالتالي نفرض عليهم قدر الإمكان أن يقبلوا منا نحن العرب الأمور الطيبة، كما نقبل منهم الأمور الطيبة، فهذه هي الحياة وهذا هو الاندماج الحقيقي الذي لا بد لنا أن نسعى إليه لكي نوفي حقهم بضيافتنا وأن نترك انطباعات طيبة عن مجتمعاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.