شعار قسم مدونات

مأذون شرعي لإطفاء الحرائق

blogs - Divorce
تتعرّض الحالة الفكرية والعاطفية العربية في العصور التقنيّة لسيلٍ عرمرم من تأثيرات المجتمعات المتفاوتة لتختلط مع ثقافاتنا المحلّية وتكوّن مزيجاً جديداً كوّن حالة أشبه ماتكون بالإنفصام بين أفراد المجتمعات العربية ، فتم استقطاب المثير للجدل قبل المثير للعقل ، والناتج هو تضخّمات تكوّنت بين الأجيال المتعاقبة في عالمنا العربي .

الطنطاوي: "إنما يُبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك الوضع الإجتماعي والحالة المادية وبعد هذا كله تأتي العاطفة"

أحاول تسليط الضوء في هذه المقدمة على حالات مخصّصة ضمن إطار العلاقات العاطفية الزوجية التي تم استقطابها دون مراعاة لأحوالنا الإجتماعية المحلية ، فأسهمت بشكلٍ سلبي على تكوّن عدة صوَر متناقضة بين مطرقة الواقع وسندان الخيال .

واستحضر في ذاكرتي عدّة صور وقصص لعلاقات زوجية قامت على مبادئ الحب السينمائية حتى تفاجأ أصحابها بالواقع وصورته المغايِرة ، مما حدا بهم إلى حلول الإنفصال بعد سلسلة من العِراكات العاطفية ، والتي قد تتّسع بؤرة تأثيراتها السلبية إن كانَت العلاقة الزوجية بين الاقارب .

يقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله في كتابه ( مع الناس ) : "إنما يُبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك الوضع الإجتماعي والحالة المادية وبعد هذا كله تأتي العاطفة " .

وهذا ماقد يتراءى لكلّ ذي لُبْ قبل خوض غمار المنافسة التي يحتاجها كل البشر لتسيير أمور حياتهم واحتياجاتهم . إنّ العلاقة بين طرفين تُبنى على أُسُس عقلانية قد لا تراها عيون العاطفة الجيّاشة ، فيجب أن تستحضر الفروقات الإجتماعية والمادية وتفاوت الأفكار ومايمكن تقبّله أو رفضه والفروقات العُمريّة والسلوكية ، وقد أزيد هنا اختلاف الثقافات العائلية بين الطرفين والذي يتميّز بها مجتمعنا العربي عن غيره من المجتمعات .

إنّ الحالة العاطفية المكوّنة للحب هي حجر الأساس للإبتداء في تكوين الأسس السابق ذكرها ، وكذلك الوقود للإستمرار في الحفاظ على هذه الأسس من الإنزلاق والسقوط ، لكنها بلاشك لا تدخل في البناء والتشييد لحياة مديدة ومليئة بالسعادة .

يجب علينا الاهتمام بالأسس لتكوين حياة متعادلة في المشاركة من الطرفين فيما يُنشئ جيلاً بعد جيل تأخذ جيناته هذا الوعي لتكمل طريقها دون طفرات قد تسبّبها العولمة العصرية

إنّ الوجبات العاطفية الدسمة التي تقدمها الأعمال الفنية بالمقطوعات الغنائية والسينمائية وحتى الشعرية هيَ وقود لا يمكن استبداله بالأسس التي يجب تشييدها ، وقد أصبحت هذه الوجبات في العصر الحالي مجرّد آدوات لجني المال على حساب عواطف البشر بدلاً من تقويمها وتحمّل المسؤولية الاخلاقية لذلك .

ولأضرب مثالاً يسَعُ المقال، فسيكون لنجم فنّي معروف ، قد أثّر بشكل كبير على الحالات العاطفية لكل من شاهد أعماله المليئة بالمودّة والشهامة ، ليظهر بعد فترة وجيزة في قاعات المحكمة بعد قضيّة عنف رفعتها زوجته المصابة بالرضوض ليحكم القاضي عليه بالإبتعاد عنها مسافة مائة متر لغرض حمايتها منه .

يجب علينا الاهتمام بالأسس لتكوين حياة متعادلة في المشاركة من الطرفين فيما يُنشئ جيلاً بعد جيل تأخذ جيناته هذا الوعي لتكمل طريقها دون طفرات قد تسبّبها العولمة العصرية ، وحتّى لا يصبح المأذون الشرعي كرجل مطافئ يخمد نيران الحب بدلاً من المحافظة عليه .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.