الطنطاوي: "إنما يُبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك الوضع الإجتماعي والحالة المادية وبعد هذا كله تأتي العاطفة" |
أحاول تسليط الضوء في هذه المقدمة على حالات مخصّصة ضمن إطار العلاقات العاطفية الزوجية التي تم استقطابها دون مراعاة لأحوالنا الإجتماعية المحلية ، فأسهمت بشكلٍ سلبي على تكوّن عدة صوَر متناقضة بين مطرقة الواقع وسندان الخيال .
واستحضر في ذاكرتي عدّة صور وقصص لعلاقات زوجية قامت على مبادئ الحب السينمائية حتى تفاجأ أصحابها بالواقع وصورته المغايِرة ، مما حدا بهم إلى حلول الإنفصال بعد سلسلة من العِراكات العاطفية ، والتي قد تتّسع بؤرة تأثيراتها السلبية إن كانَت العلاقة الزوجية بين الاقارب .
يقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله في كتابه ( مع الناس ) : "إنما يُبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك الوضع الإجتماعي والحالة المادية وبعد هذا كله تأتي العاطفة " .
وهذا ماقد يتراءى لكلّ ذي لُبْ قبل خوض غمار المنافسة التي يحتاجها كل البشر لتسيير أمور حياتهم واحتياجاتهم . إنّ العلاقة بين طرفين تُبنى على أُسُس عقلانية قد لا تراها عيون العاطفة الجيّاشة ، فيجب أن تستحضر الفروقات الإجتماعية والمادية وتفاوت الأفكار ومايمكن تقبّله أو رفضه والفروقات العُمريّة والسلوكية ، وقد أزيد هنا اختلاف الثقافات العائلية بين الطرفين والذي يتميّز بها مجتمعنا العربي عن غيره من المجتمعات .
إنّ الحالة العاطفية المكوّنة للحب هي حجر الأساس للإبتداء في تكوين الأسس السابق ذكرها ، وكذلك الوقود للإستمرار في الحفاظ على هذه الأسس من الإنزلاق والسقوط ، لكنها بلاشك لا تدخل في البناء والتشييد لحياة مديدة ومليئة بالسعادة .
يجب علينا الاهتمام بالأسس لتكوين حياة متعادلة في المشاركة من الطرفين فيما يُنشئ جيلاً بعد جيل تأخذ جيناته هذا الوعي لتكمل طريقها دون طفرات قد تسبّبها العولمة العصرية |
إنّ الوجبات العاطفية الدسمة التي تقدمها الأعمال الفنية بالمقطوعات الغنائية والسينمائية وحتى الشعرية هيَ وقود لا يمكن استبداله بالأسس التي يجب تشييدها ، وقد أصبحت هذه الوجبات في العصر الحالي مجرّد آدوات لجني المال على حساب عواطف البشر بدلاً من تقويمها وتحمّل المسؤولية الاخلاقية لذلك .
ولأضرب مثالاً يسَعُ المقال، فسيكون لنجم فنّي معروف ، قد أثّر بشكل كبير على الحالات العاطفية لكل من شاهد أعماله المليئة بالمودّة والشهامة ، ليظهر بعد فترة وجيزة في قاعات المحكمة بعد قضيّة عنف رفعتها زوجته المصابة بالرضوض ليحكم القاضي عليه بالإبتعاد عنها مسافة مائة متر لغرض حمايتها منه .
يجب علينا الاهتمام بالأسس لتكوين حياة متعادلة في المشاركة من الطرفين فيما يُنشئ جيلاً بعد جيل تأخذ جيناته هذا الوعي لتكمل طريقها دون طفرات قد تسبّبها العولمة العصرية ، وحتّى لا يصبح المأذون الشرعي كرجل مطافئ يخمد نيران الحب بدلاً من المحافظة عليه .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.