شعار قسم مدونات

الوطن الذي غادرنا ولم أغادره

blog الخط المسماري

بينما كنت أتجول في بلدي أيام الضياع وفقدان الهوية، قررت أن أبحث في تاريخنا المجيد لأضع لنفسي هوية على أقل اعتبار في الماضي، وقد تجولت بين شواخص الحضارة وبقايا آثار وغبار الماضي المنسي، وجدت نفسي في وسط زقورة ودخلت في غياباتها.
 

وأنا أتجول في ظلام الحاضر وجدت بين جدرانها شعلتا من نور الماضي، وقد أخبرني هذا النور أن في هذه الرقعة الجغرافية حضارة علما وفنا وكتابة، فقلت متعجبا كتابة! نحن من علما البشرية التواصل والحوار، ودخلت في حوار مع نفسي التي تئن تحت فكر هذا الزمان وما يحمله من أفكار عبثية ومع تلك الشعلة التي تبتسم رغم احتراقها على حاضرنا التعيس، وقالت إن من اخترع الكتابة وأرسى للقوانين أساساتها في ذلك الوقت كالذي أوصل الإنسان إلى القمر في وقتكم. وبعد هذا الحديث قررت البحث في هذه الجوانب وبدأت بالكتابة.

هذه الكتابة في جنوب بلاد النهرين لدى السومريين للتعبير بها عن اللغة السومرية وكانت ملائمة لكتابة اللغة الأكادية.

الكتابة من تعلمها أولا وعلمها مع تطور حياة الإنسان الأول وتكوين المجتمعات البشرية، وجد الإنسان نفسه غير قادر على التفاهم مع الآخرين، فاخترع الكتابة من أجل التواصل والحوار وحفظ إنتاجه الفكري والثقافي والعلمي من الإندثار ولتتوارثه الأجيال اللاحقة ففي عام 5000 ق.م إبتدع الإنسان الكتابة في بلدي في بلاد ما بين النهرين كما قال لي ذلك النور الذي يلفه الظلام وأعاصير الحاضر من كل جانب، ومع التوسع في الزراعة وبداية ظهور المدن والمجتمعات الحضرية. فكانت اللغة أداة اتصال وتفاهم، ظهرت الكتابة على الألواح الطينية باللغة المسمارية وكان ينقش على الطين بقلم سنه رفيع ثم يجفف الطين في النار وعلى الشمس. 

الكتابة المسمارية: 
نوع من الكتابة التي تنقش فوق ألواح الطين والحجر والشمع والمعادن وغيرها، وهذه الكتابة كانت متداولة لدى الشعوب القديمة بجنوب غرب اسيا، وهذه الكتابة تسبق ظهور الأبجدية منذ نحو 2500 سنة وظلت هذه الكتابة في العراق سائدة حتى القرن الأول الميلادي.
 

 هذه الكتابة في جنوب بلاد النهرين لدى السومريين للتعبير بها عن اللغة السومرية وكانت ملائمة لكتابة اللغة الأكادية والتي كانت يتكلم بها البابليون والاشوريون، وتم اختراع الكتابة التصورية أيضا في بلادي بلاد النهرين 3000 عام ق.م.
 

وأول كتابة تم التعرف عليها هي الكتابة المسمارية التي لا تمت بصله إلى أي كتابة معاصرة، وتم إعتماد الخط المسماري في اللغة الأكادية والأشورية والبابلية وهي كلها للغات سامية مثل العربية والعبرية. وأمتد تأثير بلادي الثقافي في موضوع الكتابة إلى البلاد المجاورة. وقد كتبت في لغتي الأولى الاساطير والأحوال الشخصية والأدب والقانون أبان الملوك الحقيقيون الذين مروا على هذه الأرض وليس الملوك والرؤساء المصطنعون.
 

وقد أسعدني هذا البحث ووجدت لنفسي هوية فتخر بها أمام العالم الذي غيب أهل الفضل وصنفهم على أنهم عالم ثالث. لا يفقهون سوى القتل والتدمير وأنهم مكب لأفكارهم. كذلك أصبح لدي آفاق للحوار مع أطياف بلدي وأطياف كل العالم وإني قارد على المجالدة والمجادلة في الكلمة ذات المعنى وذات المنطق. حتى يعلم من امتلأ رأسه بأفكار ضيقة على حسب طائفته وعرقه ويعلم أن لسكوته معنى أعمق من كلامه. وإن لجهله أبعاد لا متناهية وأن يعلم إن البلاد وهذه الارض تتسع للناس من كل الأطياف والأصناف والعروق كما اتسعت له ولطائفته. وليس هناك متسع لهم سوى في رأسه وصدره الضيق. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.