شعار قسم مدونات

الآن.. حمي الوطيس

blog سيوف

سننُ اللهِ في خلقهِ ثابتةٌ لا تتغيّر، أزليةُ الديمومةِ والبقاء، قواعدها أصيلةٌ راسخة، لا تبلى على كثرةِ التكرار، فهي من عندِ الواحدِ الأحد ربِ العالمينَ سُبحانه الذي يَعلمُ ما كانَ وما سيكون إلى قيامِ الساعة، وهوأعلمُ بمن خلقَ وهواللطيفُ الخبير.

والنصرُ سنّةٌ إلهيةٌ باقيةٌ لعبادهِ المؤمنين ضابِطُها الشرعي طاعةُ اللهِ ونصرِه (إن تَنصُروا اللهَ يَنصركم ويثبّت أقدامَكُم)، فإذا ما نَصَرْنَا اللهَ في أنفسنا وواقعنا، كنا نحن المنتصرين الظاهرين على عدونا وعدوه سُبحانه.. وأما إذا حِدْنَا عن طريقِه، تخطفتنا الطير وابتُلينا بالهزائمِ والنكسات إلى أن نعود لرشدنا أونَفْنَى وتذهب ريحنا.

ولعلَّ تجسيداً عملياً لهذهِ السنّة الإلهيّة حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يومَ حنين، إذ أطبقت عليهم ثقيف بخيلها ورَجلها، وأمطرتهم بسهامها ونَبلها، والقوم أسفل الوادي، وقد أُسقطَ في أيدهم، فما شفعت لهم انتصاراتهم، ولا أغنى عنهم قضّهم وقضيضهم وما ركنوا إليه، فتراهم من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم مُشَرِّعِينَ هَوَارِب لا يلوون على شيء.

وهنا يقف النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كالجذع وسط هذه الأمواجِ المتلاطمةِ من البشر، لا يتزحزح ولا ينثني، كالجبلِ الأشمِ شموخاً وعظمة، يدعوالناس في أُخْرَاهم ويقول:
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، هَلُمّوا إلي أيّها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله. 
ومن حوله الصَيتُ العبّاس ينادي على أصحابِ المواقف وأهلِ الهمم، من شهد اللهُ لهم بالصدق والإيمان وأكرمَهم بالرضوان، يقف العباس.. ليذكّر القوم بسابقِ عهدهم وبيعتهم..

ما أحوجنا اليوم لنقلةٍ فاصلةٍ كالتي حدثت يومَ حُنين، نقلة تعيدُ للمسلمين الكرةَ على عدوهم وتحيلُ هزيمتهم نصرا.

ومن ذا الذي لا يكبوا؟! ومن ذا الذي لا يضعف؟ !
وهذه النماذجُ الفريدة التي صُنعت على أعينِ النبوة، إنْ ذكّرَت عادت، وإنْ أخطَأت أنابت، وهي الآن تستمع لصرخات العبّاس:
يا أصحابَ الشجرة..يا أصحابَ السَمُرَة.. يا أصحابَ البيعةِ يومَ الحديبية..
الله الله.. الكرّة على نبيّكم..
يا أنصار الله.. يا أنصار رسوله..
يا بني الخزرج.. يا بني حارثة….
 

كلماتٌ مدوّيات.. كأنّ القوم لم يَعُوهَا قبلاً، وكأنّ بيعةَ الرضوان وشجرة الحديبية عُمِّيَت عليهم..
وكأنّ أهل المدينة نَسوا أنهم أنصارُ الله ورسوله الذين عضّتهم السيوف ورمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، فما هانوا ولا استكانوا، بل زادهم إيماناً وتثبيتا.. وكأنّهم ما تذكروا صبرهم وثباتهم في سنواتِ الخوفِ والجوعِ والحصارِ والحرب إلا في تلك اللحظات..
فتعطفُ الأنصار على نبيها عطفةً واحدة يا لبيك.. يا لبيك..
 

هنا تذكروا فعادوا، ثمّ انتصروا لله ولرسوله، فكان الثوابُ الرباني من عندِ الكريمِ سبحانه أنْ أنزل عليهم سكينته وجنوده، وتاب من بعد ذلك بفضله ورحمته على من يشاء..

وبإسقاطٍ واقعي على حال الشام وأهله، نجد فتوحات عظيمة وانتصارات جَمّة تحققت بُعيد ثورتهم المباركة، واستمرت ما استمروا ينصرون الله ويُعلون لدينه الراية.. فما كانت إلا أن غرّتهم السنون الخداعات فضيّعوا الحقوق واختلفوا بينهم وأغرَتهم الدنيا وما أكملوا المسيرة..

فتتحقق سنّةُ الله تعالى فيهم كما تحققت في خيرِ البشر وصحبهِ عليهم السلام، إنها السنّة التي لا تختلف، فما هم بخيرٍ من ذلك الرعيلِ المُصْطَفى، وليسوا بأعزَ عندَ الله منهم.. وما كانت إلا الهنيهة حتى سلّط الله عليهم عدواً من أنفسهم، حسبوه بادئ الرأي عارضاً مُمطِرهم، وما دروا أنّه ريحٌ فيها عذابٌ أليم تدمّرُ كل أحلامهم وتطلعاتهم.

فما أحوجنا اليوم لنقلةٍ فاصلةٍ كالتي حدثت يومَ حُنين، نقلة تعيدُ للمسلمين الكرةَ على عدوهم وتحيلُ هزيمتهم نصرا.. لحظةُ إخلاصٍ وصدقٍ مع الله تعالى يثبتُ بها أصحابُ المواقفِ وأهلُ البيعات، الذين عاهدوا الله بالليلِ والنهارِ على الإقدامِ وأنّهم لا يولّون.

وما ذاك على الله بعزيز.. فما حاجة القوم إلا لمن يهز مشاعرَ قلوبهم ويصلُ لأعماقِ الفؤاد.. ما حاجتهم إلا لقائدٍ رباني يلتفون حوله ومعه يسيرون، فيجمع شَتاتهم ويوحّد صفوفهم، ويقولُ لهم بثباتِ الواثقِ بنصرِ الله: الآنَ حمَيَ الوَطيس. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.