شعار قسم مدونات

لأن الحرب تسرق العمر

blogs - war
كم أخاف من الغد، من خبر يُنعى به عزيز مثلا ، أو حكاية تلوكنا بأضراسها من فظاظتها ، أو حتى من صديق تخسره . أخاف من توالي الأيام بانتظام ليلها ونهارها.

مرتبك دائما من يفكر في المستقبل ، ومتئلم جدا من يعيش مع الذكرى ، محال لنا أن ننسى ماض رحل ، محال ان نستمتع بحاضرنا ، ك هذه السطور المضطربة تنتحر حياتنا على ضفاف الغد ، لأن الحرب تسرق العمر وتقتل الوقت كما تزيل أساسيات العيش لتضع قوانين جديدة على اساسها تُرتب مستلزمات حياتك.

حتى الآن لازالت والدته تنتظره في كل فطور وتضع كوب الشاي الخاص به وتزين له صحن الزيتون الأسود إيماناً منها أن الشهداء أحياء يرزقون وأن العودة في لحظة ما ستكون .

فالموت فصل رئيسي فيها والمسرح وطنك ، مدينتك ، قريتك ، شارعك ومدرستك التي مازال غبار الطباشير فيها عالقا فوق أناملك ، وصراخ المعلم يؤرق مسامعك ، وعقوبة قف جوار الحائط وارفع يديك تستهويك لكتابة أول حرف من اسم عشيقتك ، في ذلك الوقت كنا نضحك ونعلم معنى الفرح نرسم أحلام للمستقبل ونداعب مطبات الحاضر بحيوية ونتخطى الفقر عندما يعيقنا في شراء هدية لصديق أو قطع حلوى عند عيادة مريض ، اذكر أن عدد رفاقي في الصف كان ٣٤ طالبا وطالبة واليوم بإحصائية سريعة على الفيسبوك بلغوا ٢٧ طالبا وطالبة ، اختلاف الأرقام أشخاص أحبهم الموت .

والفراق أيضا موت بنكهة اخرى ، على سبيل الألم طفل خرج ليحضر خبز الفطور لم يعد موجوداً بعد الضجيج الذي حدث في محيطه ، سريع جدا ما جرى صفير أزيز ضغط غبار اشلاء ثم أجساد ترقد على قارعة الطريق ، وخبز غلا ثمنه لما حمله من دماء فوقه.

حتى الآن لازالت والدته تنتظره في كل فطور وتضع كوب الشاي الخاص به وتزين له صحن الزيتون الأسود إيماناً منها أن الشهداء أحياء يرزقون وأن العودة في لحظة ما ستكون .

و لن أنسى الخصام بتاتا لأن ما يجري في بلدي نواته أبيض وأسود ، مؤيد ومعارض ثم تطور بعد ذلك الى مطالب مشروعة و قمع ممنهج ، ثم اقتتال طائفي وفقا للدين والمذهب وعدم العدل في المواجهة بين صدر عار وصفائح مسلحة .

ثم جاءت الهجرة وحلم اللجوء ك الاسبيرين لمعاناتنا رغم قسوتها وشدة وجعها، رغم شراهة البحر لأجسادنا كنا نعبر بالألاف يوميا في قوارب مطاطية هشة ، كثر منا وصل الى بر الأمان على شواطىء اوربا وكثر منا ايضا وصلوا الى قمة الأمان والراحة النفسية في قعر البحر ، أيامهم الأولى في الأسفل صعبة لكن سيعتادون حياتهم الجديدة دون ضوء دون غطاء دون طعام بعد ان اضحوا يُؤكَلون بدل أن يأكلون ، والدليل إذا صادفتم يوما قرشا في البحر اسألوه عن طعم السوريين !! علّه احب احمد او فاطمة اكثر من أبيهم ؟! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.