شعار قسم مدونات

كلاب القيصر

blogs - dogs

 في عام 1533م تولى إيفان الرهيب مقاليد الحكم كقيصر لروسيا والتي شهدت في عهده رعبا لامثيل له من القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض والقمع العنيف للثورات التي حدثت ضده، كذلك عنفه وقمعه الشديد لطبقة البويار النبيلة والتي يرى فيها الفساد والأنانية الشديدة في الإهتمام بمصالحها الخاصة وتنمية ثرواتها.

كلاب الحراسة غيرت أدواتها عما كانت عليه في عهد إيفان، فغدت كلابا إعلامية ونخب مثقفة وكتابا صحفيين وتجار ونخب مجتمع.

في بداية عام 1565م شرع إيفان الرهيب في تأسيس قوة عسكرية خاصة أطلق عليها اسم (أوبرجينك) تعدادها ألف مقاتل كل واحد منهم عبارة عن آلة قتل مجردة من الإنسانية وكان يخضعهم لاختبارات قاسية لقياس ولاءهم من ناحيته حيث يطلب منهم قتل آباءهم أو زوجاتهم أو أصدقاءهم وكانوا يثيرون الرعب أين ما ساروا  وهم مرتدين للملابس السوداء الطويلة ويمتطون الأحصنة السوداء الضخمة معلق عليها رؤوس كلاب مقطوعة وخلف ظهورهم مكانس، كانت جماجم الكلاب دلالة على أعداء القيصر والمكنسة دليل على تنظيف البلاد من شرور الخونة ورجسهم لذلك كان يطلق عليهم اسم (كلاب القيصر).

كان كلاب القيصر يعذبون الناس بأساليب منكرة وبربرية وبشعة وذلك بوضعهم على الخازوق أو تعليقهم على الأعمدة الخشبية ثم شويهم على النار ببطء كذلك ربط الضحية بحصانين يركضان باتجاهين متعاكسين حتى تتقطع أوصاله أو طبخ الضحايا في الماء المغلي في قدور نحاسية ضخمة.

انتهت تلك الحقبة الشنيعة من التاريخ وقد جرى مايماثلها في أماكن عديدة من عالمنا العجيب وفي كافة العصور، مات إيفان  بعدما تعفن جسده بنهاية درامية لكن مابقي ملازما لكل طاغية هو تواجد(كلاب القيصر) بأشكال متعددة وطرق مختلفة.

حينما يتولى الطاغية مقاليد الحكم فإنه يخلق طبقة إسفنجية تكون بينه وبين الشعب لتقوم بخدمات في غاية الأهمية  فهي التي تشوه الوعي وتلوي أعناق الحقائق وتسوق للتفاهات وهي التي تقوم بمهاجمة المعارضين مهما كانت وجاهة آراءهم وعدالة قضيتهم وهي التي تخلق المخاوف وترعب الناس، تمهيدا لقرارات مصيرية يعتزم المستبد إصدارها.

وهي التي تخلق من الطاغية المرتعش قائدا اسطوريا مفارقا للزمان ومنقذا للأمة وهي التي تحرض وتبدل القيم والمبادىء ،تأمر فتنفذ فيتخلق معها طبقة عريضة من المجتمع تقوم بنفس الدور تحارب أي رأي يخالف توجه القائد الملهم وتتبدل مواقفها بلمح البصر ضد كل من يغضب القيصر فيستحيل المجتمع الى متعصب يعبد القيصر ويدفعه دفعا للتنكيل بالخصوم ويحتفل بقهرهم وكسر شوكتهم فتؤلف الوشايات والاستعداءات ضد كل من يخالف اللحن.

كلاب الحراسة غيرت أدواتها كثيرا عما كانت عليه في عهد إيفان، فغدت كلابا إعلامية ونخب مثقفة وكتابا صحفيين وتجار ونخب مجتمع، يدفعون بكل قوتهم ضد كل من يخالف التوجه الواحد لأن الفساد بيئتهم وبقاءه استمرار لزمنهم الموبوء.

 الميزان ضروري وهو ليس بترف بل لازم التحقيق والمتابعة وإلا نحت كلاب الحراسة بدولها الى المهالك. 

حتى في الدول الديمقراطية قد تنشأ مثل هذه الطبقة، فالديمقراطية هشة تستلزم العناية والمراقبة الدائمة، نشر في فرنسا كتاب تحت عنوان(كلاب الحراسة الجدد) عام 1997م لمؤلفة سيرج حليمي  تم تحويله إلى فيلم وثائقي لاحقا،كان تركيزه على طبقة نجوم التلفزيون والصحافة وعلاقاتهم المتعددة مع رجال السياسة ثم سلطة المال والتعددية التي تؤدي إلى التواطؤ بين رجال السياسة والإعلاميين فيكون كل ذلك على حساب الكلمة الإعلامية الصادقة.
   
في تركيبة الدول الصحيحة التي تنوي البقاء واستمرار الأمن والإستقرار لشعوبها وتحقيق الازدهار والنمو في أركان حياتها يتم تحجيم كلاب الحراسة حتى تلك المتطوعة منها وخلق التوازن الذي يحتضن الجميع وسماع الآراء كلها والتعامل معها برفق وهدوء وحفظ حقوق صاحب الرأي، ماله ونفسه وكرامته .

هذا هو الميزان الضروري وهو ليس بترف بل لازم التحقيق والمتابعة وإلا نحت كلاب الحراسة بدولها الى المهالك حينما تؤلب القيصر ضد شعبه وتهدم القيم والأخلاق ليهوي الوطن في دوامات الضياع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.