شعار قسم مدونات

خاتم الأنبياء وسر المشهد الأخير

blogs - bird
يحكم هذا الكون عديد من السنن و القوانين، تنتقل الحرارة من الإناء الساخن للبارد، إلى أن يتساويا حرارة. و يتحرك الماء من الوسط الأعلى للأقل تركيزاً، إلى أن يتساويا ماءً. من مجرّة عملاقة تقترب من مجرّة، إلى إلكترون صغير تجذبه ذرة. يدور الكون، في حركة تسعى كل الأطراف فيها لهدف واحد. الإستقرار. يحكمهم قانون كونيّ، سارت عليه كل العلوم.
­
بأنك لن تصل استقراراً إلا بالعطاء حتى التساوي. فإذا حصل التساوي، تحقق السكون.
­

في كون كريم لا يقبل إلا المساواة، تتنزل الرسالة الأخيرة، لتعيد الموازين إلى استقرارها.

بعد رؤية النبي -عليه السلام- لجبريل أول مرة. أراد أن يسير فما استطاع. وصل إلى البيت، لا يكاد يتنفس. يدخل على زوجته، يتصبب عرقاً "زملوني زملوني" (غطوني). ينام بجانبها، رأسه في حضنها، عيناها في عينيه. فتبتسم له و تهدئ من روعه فتقول: "والله لن يخزيك الله أبداً." تمسح وجهه بيدها تطمئنه، "إنك لتصل الرحم، وتحمل أعباء الناس، وتكرم الضيف، وتعطي المعدوم. فلا تخف." تهدأ الأنفاس، يقل نبضه بهدوء. وينزل السكون.
­
بين تراقص الذرات الصغيرة، وتلاحم المجرات العظيمة. في منتصف حركة كل الكائنات بحثاً عن سكون، يقف ابن آدم ضائعاً. بين ذكورية قد استمرت لآلاف السنين، وأنثوية ظهرت حديثاً بغرور مماثل. يقمعها هو معلناً عدم حاجته إليها، وترفضه هي معلنة وحدانيتها بوحدها.

تختل الموازين، وينمو الخلل. لكن لإرادة إلهية، كلما اختلف تركيز الوعاءين، تبدأ حركة العطاء. في كون كريم لا يقبل إلا المساواة، تتنزل الرسالة الأخيرة، لتعيد الموازين إلى استقرارها.
­
يأتي رجل في زمن تصنَّف الأنثى فيه بأقل من درجة الإنسان. يصلح بيعها أو شرائها بمبلغ يتم تحديده. يمنع عليها أن ترث ميتها. زمن ينبذ فيه كل من وُلد له بنت، فإما أن يدفنها، أو وحيداً يربيها.

يأتي رجل، يقف أمام الشوارب العظيمة والنفوس الدنيئة، يقول بكل قوة. "خير الرجال من أحسن إليها، وشرهم من أساء إليها، كريم القوم من يكرم أهله. خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي." يُسأل يوماً: من أحب الناس إليك؟ فلا يهاب سمعة، أو يخاف نبذاً. يبتسم ويقول بلا تردد: عائشة. مثبتاً موطن الرجولة الحقيقية. ليبدأ تعليم لغة الجمال وسط الصحراء لمن لا يفهم الجمال. يعلمهم ما أتقنه النبات والحجر، ما أتقنه النجم و القمر. كيف لابن آدم أن يستقر.
­

بحضن بدأ و بحضن انتهى. تهدأ الأنفاس، يقل النبض بهدوء. تاركاً للعالم سر المشهد الأخير.

اليوم الأخير، الساعة الأخيرة لآخر رسالة سماوية. يريد أن يسير. فلا يستطيع. يسقط أرضاً، فيحمله من حوله. يشير بيده إلى بيت زوجته، فيدخلون به يتصبب عرقاً. لتنتهي القصة كما بدأت. ينام بجانبها، رأسه في حضنها، عيناها في عينيه. تريد أن تمسح وجهه بيديها فمن حبها له، تمسك يده هو و تمسح بها: "فإن يدك أطيب من يدي".
­
مستقراً مطمئناً بين يديها، كذرة استكملت إلكتروناتها، كإناء تساوت حرارة أرجائه، كماء تساوى تركيزه. كمجرة تلتحم مع مجرة، وذرة تقترب من ذرة. يدوران، ويدور الكون حولهما. في حركة تسعى كل الأطراف فيها لهدف واحد.

بحضن بدأ و بحضن انتهى. تهدأ الأنفاس، يقل النبض بهدوء. تاركاً للعالم سر المشهد الأخير. قانون كونيّ واحد. سارت عليه كل العلوم، و استقرت به النجوم.

عطاء. تساوي. سكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.