شعار قسم مدونات

الحقيقة

blogs - shu
كثيراً ما يلوذ بعضنا بأوهام وخرافات ثم يبني عليها ويعايشها حتى تصير مسلَّمات وعقائد تكبّله بأغلالها وتورده غياهبها سالبةً عقله مضلِّلة رأيه، فلا يستجيب مهما بُيِّن له وجودل بالدليل والبرهان والمنطق، إذ تجده حادّ الطبع تيّاه الرأي فاجر الخصومة، يستشيط حمقاً ورعونة في الذبّ عن باطله، لا يساجل إلا انتقاصاً وسباباً، وقد يعلم أنما هو على انحراف ومساجله على سداد فيصرّ مع ذلكم على الحنث استكباراً أو خوفاً أو بغضاً، فيُضارُّ بما يظن فيه الجَداء، ((لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)). الزخرف : 78

لا ينفي ما سبق وجود حصفاء مراجعين مازوا السقيم من الصحيح وآبوا إلى الهداية بعد الزيغ مسترشدين بتدبّر منهجيّ لا يشوبه حكم مسبق ولا عاطفة عمياء، إلا أن يضرب الرأي بالرأي والحجّة بالحجّة والحقيقةُ منشوده.
فالتائهون ثلاثة: تائه لم يدرك ضلاله فعمِهَ في دجاه، وثانٍ أدركه فأصر عليه إذ أخذه الهوى بالوزر، وآخر أدرك فأذعن واهتدى.

قال ابن تيمية: "كان عمر بن الخطاب وقّافاً عند كتاب الله وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له كما بين له يوم الحديبية ويوم موت النبي _صلى الله عليه و سلم_ و يوم قتال مانعي الزكاة و غير ذلك، و كان عمر بن الخطاب يشاور الصحابة فتارة يرجع إليهم و تارة يرجعون إليه… و ربما يرى رأياً فيُذكر له حديث عن النبي فيعمل به ويدع رأيه، و كان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه في قضايا متعددة، وكان يقول القول فيقال له: أصبت. فيقول: والله ما يدرى عمر أصاب الحق أم أخطأه".

التائهون ثلاثة: تائه لم يدرك ضلاله فعمِهَ في دجاه، وثانٍ أدركه فأصر عليه إذ أخذه الهوى بالوزر، وآخر أدرك فأذعن واهتدى.
هذا وأخطر ما في التيه أن يكون في الدين، ذلكم أنّ كثيراً من الدائنين بغير الإسلام و المسلمين المنحرفين عن نهجه القويم إلى فِرق  نِحَل خالفت كتاب الله و سنّة نبيّه المطهَّرة معرَّض للإرهاب الفكريّ والوعيد الذي يأخذ بتلابيب العقل ويسوقه كما يشاء المتوعّدون الذين استباحوا حق الإنسان في التفكير؛ ليمسي سواءً والبهائم، مستنكفاً لا يرعوي و إن أُتي بنيانُه من القواعد.
إن الحق أبلج لا يميته التجاهل ولا يفنيه التغاضي ولا يهزه الإرجاف، و لَمُرُّ الحقيقة أنجع من حلو السراب؛ فلا تستكبرنّ على المراجعة ولا تخافنّ من التمحيص و لا يأخذنّك الشنآن بالإثم، و سِر على بيّنة قبل أن يُحثى عليك الكثيب.

((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)). الجاثية : 23

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.