شعار قسم مدونات

يوم قصف بيتي

blogs-gaza
الحرب الأولى على عزة عام 2008، كانت المرة الأولى أن يعلن الإحتلال الإسرائيلي حرب شاملة على قطاع غزة بأكمله، اعتدنا تقدم لبعض قوات وحدة جنود مع مجموعة مدرعات تقتحم منطقة جغرافية صغيرة في غزة ويعودون بعد صد المقاومة، لكن الأمر هنا مختلف!

رغبت إسرائيل أن تفرض سياسة جديدة بعد سيطرة حركة حماس على غزة إبان فوزها في الانتخابات التشريعية، إذا هي مرحلة جديدة يتحرك بها جيش ما يسمى بدولة إسرائيل المزعومة.

أعلنت الحرب على غزة من القاهرة الجار العربي الشقيق، ودخلت القوات الصهيونية إلى حدود غزة، وفي السماء طائرات يصفها أطفال حيي بالملعونة قصفت مقار أجهزة الأمن في غزة ولم تسلم من نيرانها أي شيء، والتهمة فقط أنك فلسطيني تقف على أرضك ﻻ تقبل بالخنوع.

بعد إرتقاء المئات وقصف عشرات البيوت قد حان الوقت على بيتنا!

التوقيت صباحا، الهدف منزل عائلتي، الوسيلة طائرة F16، الأمر ليس ببساطة أي ﻻ صاروخ سقط فوق مبنى وأحاله لركام، الأمر أكثر من هذا ألما وتعقيدا.

الحكاية، اتصل ظابط المخابرات على هاتف المنزل بعد شروق الشمس بقليل متحدثا معه عمي شقيق والدي، أخلو البيت حاﻻ سيتم قصفه بعد 15 دقيقة! تخيل معي مبنى مكون من 6 طوابق يحوي بداخله أكثر من 30 فردا سيخلون المنزل في ربع ساعة فقط، كيف؟

هلع عمي للطوابق العليا ليخبر الجميع باتصال المخابرات الصهيونية بأمر قصف البيت، صوت طرق الباب رن في أذني كالصاعقة، علمت جيدا أنه قد حان دورنا، أخبرنا عمي بشأن القصف.

كنا كباقي شعبنا نستعد لهكذا أمر في كل ثانية، فالكل تحت فوهة نيران الاحتلال، أتذكر جيدا كيف كنا ننام بثياب الشارع ﻻ النوم، وأمي ﻻ تنام اﻻ وهي مرتدية حجابها وجلباب الخروج، كنا نحضر بعض اللوازم لنأخذها معنا إن جاء أمر قصف البيت.

بعد تبليغنا بشأن قصف البيت أسرعنا لنخلي البيت قبل نفاد الوقت المسموح به وإﻻ سنموت تحت الركام، ارتديت حذائي سريعا ونزلت مع اسرتي للشارع اصرخ حتى يسمعني الجيران، سيصف بيتنا وأكرر سيقصف بيتنا احذروا احذروا.

نزل الجميع للشارع وابتعدنا عن البيت حتى ﻻ تصل الينا شظايا القصف، ننظر لوهلة إلى البيت نتعمق في تفاصيله نودعه، هذا البيت ليس فقط عبارة عن حجارة هو أغلى من ذلك، ذكريات الطفولة، ذكريات الألعاب مع أبناء العم، أعراسنا التي اقيمت به،ليالي السمر والنظر للسماء من أعلى سقفه، حتى ذكريات الطبق الورقي الذي كنا نطيره من أعلى سقف المبنى، وفجأة أفاقني من السرحان ثلاث صواريخ من طائرة F16 حولت المكان لدخان أسود، نظرت للمبنى وهو يتهاوى أمام عيني.

لم أحزن على الحجارة لكنها الذكريات، المأوى الذي كبرت بين حجارته

لم أستطع كتم دموعي أكثر، بكيت ونزلت الدموع من عيني، لم أحزن على الحجارة لكنها الذكريات، المأوى الذي كبرت بين حجارته، ذكريات طفولتي به، ما زالت صوري في غرفتي لم آخذها، خرجت بلباسي فقط فليس لي شيء بعد اليوم سوى جبل حجارة وذكريات هدمت!

المشهد صعب، ﻻ يشعر بألمه إﻻ من جربه، صعدت لأعلى جبل الركام أسقط نظري تحت قدمي أحاول جمع شيء، لم أكن أعلم على ماذا أبحث، لكن كنت أبحث فقط على أي شيء يبقي لهذا المنزل ذكراه معي.

أصبحنا الأن بلا مأوى فالبيت قصف، انتقلنا إلى مركز إيواء في إحدى مدارس وكالة الغوث، فبدأت رحلة لجوء ثالثة، أقمنا في خيمة لما يزيد عن 10 أيام، ما كان يصبرنا على هذه المحنة ثقتنا بالله بغد مشرق فقط.

ذهب البيت الحال كسائر حال أبناء شعبي الجميع قدم وضحى لنيل حرية وكرامة ﻻ يطلبها ويسعى لها إﻻ كل حر، ومن بعد ذلك أصبح الإعلام وسيلتي ومهنتي لكشف جرائم الاحتلا، حتى ينال وطني حريته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.