شعار قسم مدونات

هل سيحصل تقارب بين تركيا والأسد؟

blog-تقارب

تعودنا أن نسأل: هل سيحصل هذا أم لا؟، وفي الإجابة ننقسم لفريقين:-
فريق يعادي تركيا ويهاجمها بسبب ما يتوقع حصوله في المستقبل، ولكن ماذا لو كان في مصلحة الشعب السوري؟!، وفريق يحب تركيا، وينكر حصول ذلك بشكل جازم، ولكن ماذا لو حصل؟! فهل سيعادي تركيا بسبب ذلك؟!.

أما التصريحات التركية فهي تلقي بقنبلة إعلامية كل فترة على لسان مسؤوليها، وعلى رأسهم بن علي يلدرم، ثم تؤولها تأويلات مختلفة نتيجة اللغط الذي يحصل لاحقاً.

إن إقامة علاقة استراتيجية بين الطرفين سيثير حفيظة  السوريين والذين اكتووا بنار القنابل المحرمة دولياً والمجازر اليومية

إن التنبؤ بالمستقبل دون فهم الأسباب والدوافع والمصالح من أفعال الحواة والمنجمين، وانقسام الناس إلى فريقين: نعم ولا، يشبه إلى حد كبير مشجعي فريق كرة القدم، وكل هذا يخالف قواعد السياسة وعلومها، والتي تقتضي حساب كل الخيارات المطروحة والممكنة، ثم دراسة كل خيار منفرداً
هل هو في مصلحة شعبنا أم ضار به؟.

قبل البدء في الحديث عن مدى ونوع العلاقة بين دولتين متلاصقتين، يجب إدراك الحقيقة المرة للحرب الحالية في سوريا، فهي حرب عالمية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكل مُتَدَخِّل في الحرب هو شريك لأحد الأطراف الدولية، علم ذلك أم لم يعلمه.

حتى الدول الصديقة والمخلصة للقضية السورية، فهي لا تتدخل لحسم الأمور، لأن ذلك فوق طاقتها وإمكاناتها السياسية والإقتصادية والعسكرية، ولكنها تتدخل لتحقيق التوازن بين تلك الدول لا أكثر من ذلك،  وأي اتفاق تقوم به الدول الصديقة مع الدول الكبرى، فإنها تنفذ بنودها بالمجازر والقنابل المحرمة دولياً، بينما ننفذ نحن بنودنا بالمزيد والمزيد من الشهداء للأسف.

وضمن هذه الخريطة المعقدة يجب فهم ودراسة احتماليات العلاقة التركية مع الأسد، وفيما يلي الخياران المحتملان للعلاقة لو حصلت:-

أولاً: المصالحة بين تركيا والأسد:-
يبدو من غير المنطقي أن تصالح تركيا الأسد من وجوه:-
1- عائق قانوني؛ لأن الأسد في نظر القانون الدولي مجرم حرب، وأي دولة يثبت تعاملها معه فهي مدانة دولياً، ومعرضة مستقبلاً للمحاسبة، وهذا لا يشمل بطبيعة الحال روسيا وأمريكا والصين، بسبب امتلاكها لحق النقض الفيتو الذي يغطي جرائم تلك الدول الكبرى، كما لا يشمل إيران بسبب تحالفها الحالي مع عصابة الفيتو.
2- عائق سياسي؛ إذ كيف ستكون مصالحة وعلاقة استراتيجية بين الطرفين، والجيش التركي في الشمال السوري، وتركيا تدعم المعارضين.
3- عائق أخلاقي؛ إذ إن إقامة علاقة استراتيجية بين الطرفين سيثير حفيظة ملايين السوريين حول العالم، والذين اكتووا بنار القنابل المحرمة دولياً والمجازر اليومية.

ثانياً: التقارب التركي مع الأسد:-
هذا التقارب – إن حصل – فستكون له نتائج سلبية وأخرى إيجابية..

أما السلبية فهي باختصار:-
1- التخلي عن جنوب سوريا لصالح الأسد وصديقتيها روسيا وإيران، وهذا سيجعل الغوطة المحاصرة وحيدة في مواجهة هذه القوى دون أي نصير.
2- التخلي عن شرق سوريا لصالح التفاهمات بين الأسد والـpyd وصديقتهما أمريكا.
3- ستكون مناطق المعارضة الشمالية فقيرة بسبب عدم وجود مناطق ثروات طبيعية بداخلها، وضيق المنافذ المائية الخارجية فيها.
4- ستحاول الدول الكبرى استثمار هذا التقارب سياسياً، لتجعله اعترافاً بالأسد وجرائمه.
5- سيستثمر الأسد وشركاه هذا التقارب في تشويه صورة تركيا إعلامياً، على أنه تخلي عن مكتسبات الثورة وأهدافها.
6- سيبدأ بعض المعارضين السوريين القابعين في أوروبا الإستشراف السياسي وتشويه صورة تركيا، وسيتحرقون فجأة على الثورة مع أنهم لم يدخلوا سوريا طوال الثورة، وسيلمعهم الغرب بمؤتمرات سمجة بهدف فرضهم كقيادة للمعارضة في الشمال السوري، وبالأخص في ظل التشرذم الحالي للمعارضة السورية.

لا التقارب هو من مصلحة الشعب السوري، ولا حتى مناطحة العالم كله سيكون في مصلحتهم أيضاً

أما النتائج الإيجابية للتقارب فهي باختصار:-
1- بقاء الأسد الممثل الوحيد لسداد ديون القذائف التي نزلت على رؤوسنا، في حين أن المعارضة لو استلمت الحكم بدمشق فستكون مسؤولة قانونياً عن سداد تلك الديون.
2- توقف الحرب واستقرار المدنيين في مناطق المعارضة التي تتعرض لأكبر عملية إبادة للجنس البشري والتراث التاريخي على حد سواء.
3- عودة المهَجَّرين إلى الشمال السوري، وإيقاف مؤقت لعملية التهجير الطائفي الواسع، والذي تنام عنه المنظمات الدولية اليوم.
4- التقارب بين القوي والضعيف يكون دائماً لمصلحة القوي، ويسمح له بفرض شروطه وإملاءاته على الضعيف، وتركيا دولة الصفر ديون منذ زمن، ومحصنة اقتصادياً عن هزات العبث في الأسواق المالية، وخرجت قريباً من أزمة الإنقلاب بروح سياسية موحدة، في المقابل فإن نظام الأسد يعيش على أجهزة الإنعاش الدولية؛ فأميركا تدعمه سياسياً بالسر، وروسيا عسكرياً، وإيران اقتصادياً، لنقول: إن حزب الله هو أكبر الخاسرين من دعم الأسد.
5- اضطرار نظام الأسد لتغطية الوضع القانوني والرسمي لجميع السوريين داخل تركيا.
6- عدم تعرض نظام الأسد للمعارضين على الأراضي التركية خوفاً على العلاقات الهشة بين الطرفين.

كل هذا على فرض تحرير كامل الشمال السوري: من جبل التركمان إلى جرابلس على أقل تقدير، وتوحد المعارضة لتقوى على مسابقة الأسد سياسياً واقتصادياً، وحصول منطقة حظر جوي شمال سوريا.

أما في ظل تفرق المعارضة وانعدام الصوت الموحد، وعدم سيطرتها على حلب وحماة، ووجود جيوب كبيرة للأسد كنبل والمغاولة والفوعة وكفريا، والتي يحميها المجتمع الدولي. فإن كل ما سبق يبقى في حكم التنظير والأحلام، بل والأوهام السياسية، وبالتالي فلا التقارب هو من مصلحة الشعب السوري، ولا حتى مناطحة العالم كله سيكون في مصلحتهم أيضاً، وسيكونون بين خيارين أحلاهما مر كالعلقم.

هل يمكن لهذا التقارب أن يستمر طويلاً فيما لو حصل؟!
حتى الآن فإن كل التصريحات الصادرة عن الإدارة التركية تتكلم عن تقارب مؤقت في مرحلة انتقالية، وهي التصريحات التي يتم اجتزاؤها وتحريفها كل فترة وبثها في وسائل الإعلام؛ بهدف تشويه صورة تركيا كما ذكرت سابقاً.

أما من حيث الواقع، فهل ستستمر الدول الكبرى في دعم الأسد بعد انتهاء مهمته في الحرب، وهل يصلح شخص متهم بجرائم حرب لإدارة مرحلة السلام السياسي؟!

المنطق والعقل السياسي يقول: إن مصيره لن يختلف كثيراً عن مصير سلوبدان ميلوسفيتش ورادوفان كاردتش ورادكو ميلادتش في يوغسلافيا السابقة، والذين كان مصيرهم إلى السجن والمحكمة الدولية بعد تغرير الغرب بهم من خلال سياسة غض الطرف عن جرائمهم في البوسنة، هكذا يكون عادة مصير مجرمي الحرب الأوروبيين، أما مجرمي الحرب العرب فربما يكون أقرب لمصير القذافي.

إن تطورات الأوضاع في سوريا أصبحت تسبق التخطيط والسياسة الدولية، ومن ثَمَّ يصعب التنبؤ الدقيق بتطورات المنطقة

وهنا نصطدم أمام الواقع المر لعنصرية المجتمع الدولي وطائفيته ضد المسلمين، فماذا لو تمسكت الدول الكبرى بكل قوتها ببقاء الأسد فترة أطول بهدف إحراج تركيا والضغط عليها؟، وبالتالي هل ستستمر عملية التقارب المؤقت لتتحول إلى عملية تطبيع بين الطرفين، ليكون الشعب السوري – وهو العنصر الأضعف – المتضرر الأكبر من عمليات السلم والحرب معاً.

لكن يبقى التقدم على الأرض هو سيد الموقف؛ لتحديد ما إذا كانت تركيا ستقوم بتقارب مؤقت مع الأسد، أم تقارب طويل الأمد، أم ربما مصالحة وتطبيع مع الأسد بسبب الضغط الدولي المتواطئ ضدها، أو ربما عدم حصول العلاقة بالمرة بين الطرفين بسبب الوضع الجيد أو السيء جداً..

وفي المحصلة؛ فإن تطورات الأوضاع في سوريا أصبحت تسبق التخطيط والسياسة الدولية، ومن ثَمَّ يصعب التنبؤ الدقيق بتطورات المنطقة، ولصالح أي جهة ستكون…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.